للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَفَاهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ) لِمَا رَوَى «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحَاجَّ».

وَلَا يَصْرِفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْغُزَاةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ هُوَ الْفُقَرَاءُ (وَابْنُ السَّبِيلِ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي وَطَنِهِ) وَهُوَ فِي مَكَان لَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ. قَالَ: (فَهَذِهِ جِهَاتُ الزَّكَاةِ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ،

أَيْ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُتَعَادِينَ لِزَوَالِ الِاخْتِلَافِ وَحُصُولِ الِائْتِلَافِ، وَالنَّائِرَةُ الْعَدَاوَةُ وَالشَّحْنَاءُ وَقَوْلُهُ (مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) أَيْ فُقَرَاءُ الْغُزَاةِ وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِمُنْقَطِعِ الْحَاجِّ فُقَرَاؤُهُمْ الْمُنْقَطَعُ بِهِمْ

(وَلَا يُصْرَفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْغُزَاةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ هُوَ الْفُقَرَاءُ) لِقَوْلِهِ «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرَدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِقَوْلِهِ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ، مِنْ جُمْلَتِهِمْ الْغُزَاةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَتَأْوِيلُهُ الْغَنِيُّ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْمُسْتَغْنِيَ بِكَسْبِهِ لِقُوَّةِ بَدَنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ طَلَبُ الصَّدَقَةِ إلَّا إذَا كَانَ غَازِيًا فَيَحِلُّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْجِهَادِ عَنْ الْكَسْبِ. وَذَكَرَ تِلْكَ الْخَمْسَةَ فِي التَّجْنِيسِ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: الْغَازِي، وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا، وَالْغَارِمُ، وَرَجُلٌ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ إلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي الْمَصَابِيحِ وَفِي رِوَايَةٍ " وَابْنُ السَّبِيلِ ". فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُكَرَّرٌ سَوَاءٌ كَانَ مُنْقَطَعَ الْغُزَاةِ أَوْ مُنْقَطَعُ الْحَاجِّ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي وَطَنِهِ مَالٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ هُوَ ابْنَ السَّبِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ فَقِيرٌ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الْعَدَدُ سَبْعَةً.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ ازْدَادَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ سِوَى الْفَقْرِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ جِهَادٍ أَوْ حَجٍّ فَلِذَلِكَ غَايَرَ الْفَقِيرَ الْمُطْلَقَ فَإِنَّ الْمُقَيَّدَ يُغَايِرُ الْمُطْلَقَ لَا مَحَالَةَ. وَيَظْهَرُ أَثَرُ التَّغَايُرِ فِي حُكْمٍ آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ زِيَادَةُ التَّحْرِيضِ وَالتَّرْغِيبِ فِي رِعَايَةِ جَانِبِهِ الَّتِي اُسْتُفِيدَتْ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ اللَّامِ إلَى كَلِمَةِ فِي، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ إيذَانًا بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ لِأَنَّ فِي الظَّرْفِيَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ تُوضَعَ فِيهِمْ الصَّدَقَاتُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تُنْتَقَصْ الْمَصَارِفُ عَنْ السَّبْعَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ.

وَقَوْلُهُ (فَهَذِهِ جِهَاتُ الزَّكَاةِ) يَعْنِي أَنَّهُمْ مَصَارِفُ الصَّدَقَاتِ لَا مُسْتَحَقُّوهَا عِنْدَنَا حَتَّى يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُمْ الْمُسْتَحَقُّونَ لَهَا حَتَّى لَا تَجُوزَ مَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>