للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَقُلْنَا بِالْجَوَازِ فِي الزَّكَاةِ.

(وَلَا يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ وَلَا يُكَفَّنُ بِهَا مَيِّتٌ) لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الرُّكْنُ (وَلَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ مَيِّتٍ)

وَأَجَابَ عَنْ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ لَقُلْنَا بِالْجَوَازِ فِي الزَّكَاةِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ " تَصَدَّقُوا " مُطْلَقٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ افْعَلُوا التَّصَدُّقَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَمِنْهُمْ يَقُولُ: مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ «تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا» يَقْتَضِي جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ، وَحَدِيثَ مُعَاذٍ يَقْتَضِي عَدَمَهُ. فَقُلْنَا: حَدِيثُ مُعَاذٍ فِي الزَّكَاةِ وَالْآخَرُ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالصَّدَقَةِ الْمَنْذُورَةِ وَالْكَفَّارَاتِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ الْأَوَّلِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ بَيَانُ التَّقْرِيرِ. وَهُوَ يَمْنَعُ الْخُصُوصَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَلَا يُدْفَعُ بِمَا قِيلَ كَلِمَةُ " كُلٍّ " لِتَأْكِيدِ الْأَدْيَانِ لَا لِتَأْكِيدِ الْأَهْلِ فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ غَامِضٌ سَلَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ مُقَارِنًا عِنْدَنَا، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْآيَةِ عَنْ التَّوَلِّي عَنْ الْبِرِّ فَلَا يَكُونُ لَهُ التَّعَلُّقُ بِالصَّدَقَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أُمِرْنَا بِالْمُقَاتَلَةِ مَعَهُمْ بِآيَاتِ الْقِتَالِ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ نَاسِخًا فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَبْقَ الْحَدِيثُ مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ مَرْحَمَةٌ لَهُمْ وَمُوَاسَاةٌ، وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَلَيْسَ فِي مَرْتَبَتِهَا فَيَسْقُطُ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَقِّهِمْ وَيَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ

وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الرُّكْنُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ تَمْلِيكُ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ مَعَ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ الْمَدْفُوعِ عَنْ نَفْسِهِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>