وَإِنَّمَا شَرَطَ الْوُجُوبَ (وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا) لِأَنَّهُ فَقِيرٌ وَالْفُقَرَاءُ هُمْ الْمَصَارِفُ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَاجَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا وَهُوَ فَقْدُ النِّصَابِ
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَإِنْ دَفَعَ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ ﵀: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ إلَى
الْمَعَاشِ فِي غَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ وَسِلَاحٌ وَفَرَسٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ قِيمَتُهَا عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ مَصْرُوفٌ إلَى الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ مُعَدٌّ لِلتَّقَلُّبِ وَالتَّصَرُّفِ بِهِ، فَكَانَ الدَّيْنُ مَصْرُوفًا إلَيْهِ. فَأَمَّا الْخَادِمُ وَالدَّارُ وَالْفَرَسُ وَالسِّلَاحُ فَمَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ فَلَا يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّ الْفَقِيهَ إذَا مَلَكَ مِنْ الْكُتُبِ مَا يُسَاوِي مَالًا عَظِيمًا وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا النَّمَاءُ شَرْطُ الْوُجُوبِ) يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ فِي عَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ مِلْكُ النِّصَابِ الْفَاضِلِ عَنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ نَامِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَ نَامٍ، وَإِنَّمَا النَّمَاءُ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْفَقِيرِ الْكَسُوبِ لِقَوْلِهِ ﷺ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» وَلَنَا أَنَّهُ فَقِيرٌ وَالْفُقَرَاءُ هُمْ الْمَصَارِفُ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَاجَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا خَفِيَّةً، وَلَهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ فَقْدُ النِّصَابِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْمَحَبَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ: فَقَالَتْ: أُحِبُّك وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ حُرْمَةُ الطَّلَبِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «أَنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلَانِ يَسْأَلَانِهِ فَنَظَرَ إلَيْهِمَا وَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُ لَا حَقَّ لَكُمَا فِيهِ وَإِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا» مَعْنَاهُ لَا حَقَّ لَكُمَا فِي السُّؤَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَوَّزَ الْإِعْطَاءَ إيَّاهُمَا.
وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا) قِيلَ: مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مُعِيلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِقْدَارَ مَا لَوْ وَزَّعَهُ عَلَى عِيَالِهِ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى تَصَدُّقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute