للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (الصَّوْمُ ضَرْبَانِ: وَاجِبٌ وَنَفْلٌ، وَالْوَاجِبُ ضَرْبَانِ: مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى أَصْبَحَ أَجْزَأَهُ النِّيَّةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ)

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِيهِ. اعْلَمْ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِهَذَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، وَالْمَنْذُورُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾

وَرُكْنِهِ وَحُكْمِهِ، وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَكْثَرِهَا وَالْفَطِنُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ. قَالَ (الصَّوْمُ ضَرْبَانِ: وَاجِبٌ، وَنَفْلٌ) ذَكَرَ التَّقْسِيمَ قَبْلَ التَّعْرِيفِ لِيَسْهُلَ أَمْرُ التَّعْرِيفِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الصَّوْمِ شَرْعًا تَنْقَسِمُ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَنَفْلٍ، وَتَعْرِيفُهَا عَلَى وَجْهٍ يَشْمَلُهَا عَسِيرٌ، فَإِذَا ذَكَرَ أَقْسَامَهَا سَهُلَ أَمْرُ تَعْرِيفِهَا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ غَيْرَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْوَاجِبَ فِي لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ، وَأُرِيدَ بِهِ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ، وَفِي ذَلِكَ الْمَحْذُورِ الْمَعْرُوفِ عَلَى مَذْهَبِنَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ الثَّابِتَ عَيْنًا فَيَنْدَفِعُ الْمَحْذُورُ، وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ بِلَا تَشْدِيدٍ وَمَعْنَاهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِ جَاحِدِهِ، وَمِنْهُ لَا تُكَفِّرْ أَهْلَ قِبْلَتِك أَيْ لَا تَدْعُهُمْ كُفَّارًا.

وَقَوْلُهُ (وَالْمَنْذُورُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ خُصَّ مِنْ الْآيَةِ بِالِاتِّفَاقِ الْمَنْذُورُ الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، أَوْ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْعِبَادَةِ كَالنَّذْرِ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَالنَّذْرِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَلَمَّا خُصَّتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ بَقِيَ الْبَاقِي حُجَّةً مُجَوِّزَةً لَا مُوجِبَةً قَطْعًا كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّخْصِيصِ الْمُقَارَنَةَ، وَالْمُخَصِّصُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَضْلًا عَنْ مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مُقَارِنًا أَوْ لَا، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ خُصَّ مِنْهُ الْمَجَانِينُ الصِّبْيَانُ وَأَصْحَابُ الْأَعْذَارِ وَلَمْ يَنْتَفِ بِهِ عَنْهُ إثْبَاتُ الْفَرِيضَةِ، وَأَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ: إنَّ الْأَمْرَ لِتَفْرِيغِ

<<  <  ج: ص:  >  >>