وَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الصَّوْمِ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي نِيَّةِ النَّفْلِ عَابِثٌ، وَفِي مُطْلَقِهَا لَهُ قَوْلَانِ: لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ مُعْرِضٌ عَنْ الْفَرْضِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْفَرْضُ. وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ،
بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ قَالَ (وَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الصَّوْمِ إلَخْ) أَرَادَ بِهَذَا الضَّرْبِ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ (يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الصَّوْمَ (وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ) ظَاهِرٌ. (وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ) بِأَنْ يُنْوَى عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قِيلَ: وَهَذَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ مُسْتَقِيمٌ، فَأَمَّا فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَلَا لِأَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى مِنْ الْوَاجِبِ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ، ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ، فَحِينَئِذٍ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا الضَّرْبُ لَا يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ.
وَأَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مُوجِبُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَتَأَدَّى الْمَجْمُوعُ بِالْمَجْمُوعِ، وَالْبَعْضُ بِالْبَعْضِ، وَالْبَعْضُ بِالْمَجْمُوعِ، لَا أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ يَتَأَدَّى الْمَجْمُوعُ فَيَظْهَرُ لِكَلَامِهِ وَجْهُ صِحَّةٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي نِيَّةِ النَّفْلِ عَابِثٌ) أَيْ لَا يَكُونُ صَائِمًا لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا (وَفِي مُطْلَقِهَا لَهُ قَوْلَانِ) فِي قَوْلٍ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَقَعُ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ) دَلِيلٌ عَلَى النَّفْلِ أَيْ إنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ (مُعَرَّضٌ عَنْ الْفَرْضِ) لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُغَايِرَةِ فَصَارَ كَإِعْرَاضِهِ بِتَرْكِ النِّيَّةِ (فَلَا يَكُونُ لَهُ الْفَرْضُ) وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي مُطْلَقِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُعَرِّضًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ فَيَجُوزُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ قُرْبَةٌ كَأَصْلِ الصَّوْمِ فَكَمَا لَا يَتَأَدَّى أَصْلُ الصَّوْمِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ الصِّفَةُ، وَإِذَا انْعَدَمَتْ الصِّفَةُ يَنْعَدِمُ الصَّوْمُ ضَرُورَةً.
(وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَيِّنٌ فِيهِ) لِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ فَلَا صَوْمَ إلَّا رَمَضَانَ» وَكُلُّ مَا هُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي مَكَان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute