للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يَقْبَلْ إلَّا شَهَادَةَ جَمَاعَةٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) كَمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ (وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ﴾ إلَى أَنْ قَالَ ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ وَالْخَيْطَانِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ (وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ) لِأَنَّهُ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ: هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لِوُرُودِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي الشَّرْعِ لِتَتَمَيَّزَ بِهَا الْعِبَادَةُ مِنْ الْعَادَةِ، وَاخْتَصَّ بِالنَّهَارِ لِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوِصَالُ كَانَ تَعْيِينُ النَّهَارِ أَوْلَى لِيَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ، وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ.

دَلِيلُ الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ) يَعْنِي فِي هِلَالِ الْفِطْرِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ إلَخْ.

وَقَوْلُهُ (وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) قِيلَ الْعِبْرَةُ لِأَوَّلِ طُلُوعِهِ وَقِيلَ لِاسْتِنَارَتِهِ وَانْتِشَارِهِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْأَوَّلُ أَحْوَطُ، وَالثَّانِي: أَرْفَقُ.

وَقَوْلُهُ (وَالْخَيْطَانِ) يَعْنِي أَنَّ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ هُوَ أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الْمُسْتَطِيرُ: أَيْ الْمُنْتَشِرُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ، وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ مَا يَمْتَدُّ مَعَهُ مِنْ غَبَشِ اللَّيْلِ وَهُوَ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ وَالْكَاذِبُ وَذَنَبُ السِّرْحَانِ شُبِّهَا بِخَيْطَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ وَمَوْضِعُهُ عِلْمُ الْبَيَانِ، وَاكْتَفَى بِبَيَانِ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ بِقَوْلِهِ ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ عَنْ بَيَانِ الْأَسْوَدِ، لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي أَحَدِهِمَا بَيَانٌ فِي الْآخَرِ.

وَقَوْلُهُ (وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ) قِيلَ: هُوَ مَنْقُوضٌ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَمَّا عَكْسًا فَبِأَكْلِ النَّاسِي فَإِنَّ صَوْمَهُ بَاقٍ وَالْإِمْسَاكَ فَائِتٌ، وَأَمَّا طَرْدًا فِيمَنْ أَكَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِمَا أَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِزَمَانٍ هُوَ مَعَ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَإِنَّ هَذَا الْمَجْمُوعَ مَوْجُودٌ وَالصَّوْمُ فَائِتٌ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ: بِمَنْعِ فَوْتِ الْإِمْسَاكِ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِهِ الْإِمْسَاكُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مَوْجُودٌ. وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهَارِ النَّهَارُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْيَوْمُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ﴾ الْآيَةَ. وَعَنْ الْحَائِضِ بِأَنَّ الْحَائِضَ خَرَجَتْ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ شَرْعًا. وَقَوْلُهُ (وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ) الْمُرَادُ بِالطَّهَارَةِ مِنْهُمَا عَدَمُهُمَا لَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الِاغْتِسَالُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>