وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ تَكْفِيرًا عُرِفَ أَنَّ التَّوْبَةَ غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ.
ثُمَّ قَالَ (وَالْكَفَّارَةُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِحَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ. فَقَالَ: مَاذَا صَنَعْتَ. قَالَ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَقَالَ ﷺ: أَعْتِقْ رَقَبَةً. فَقَالَ: لَا أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي هَذِهِ، فَقَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. فَقَالَ: وَهَلْ جَاءَنِي مَا جَاءَنِي إلَّا مِنْ الصَّوْمِ فَقَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. فَقَالَ: لَا أَجِدُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُؤْتَى بِفَرْقٍ مِنْ تَمْرٍ. وَيُرْوَى بِعَرَقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَقَالَ: فَرِّقْهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَحْوَجُ مِنِّي وَمِنْ عِيَالِي، فَقَالَ: كُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ، يَجْزِيكَ وَلَا يَجْزِي أَحَدًا بَعْدَكَ»، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُخَيَّرُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ التَّرْتِيبُ وَعَلَى مَالِكٍ فِي نَفْيِ التَّتَابُعِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ.
فَلَا يَسْتَلْزِمُهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ بِالْإِفْطَارِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ، وَإِذَا كَانَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ أُلْحِقَ بِهِ دَلَالَةً لَا قِيَاسًا، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ مَذْكُورٌ فِي التَّقْرِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ تَكْفِيرًا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ. وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ تَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ الْإِعْتَاقَ كَفَّارَةً لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ عُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لَهَا كَجِنَايَةِ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا، حَيْثُ لَا يَرْتَفِعَانِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ بَلْ بِالْحَدِّ.
وَقَوْلُهُ (وَالْكَفَّارَةُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَلِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ) وَهُوَ مَشْهُورٌ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (بِفَرْقٍ) قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ حَدِيثٌ (حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: يُخَيَّرُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ التَّرْتِيبُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَعَلَى مَالِكٍ فِي نَفْيِ التَّتَابُعِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ) بِقَوْلِهِ ﵊ «صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: مَا مَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ التَّخْيِيرِ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَنَفْيَ التَّتَابُعِ إلَى مَالِكٍ سَهْوٌ، بَلْ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِالتَّرْتِيبِ كَمَا نَقُولُ: دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كُتُبُهُمْ وَكُتُبُ أَصْحَابِنَا، وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ التَّتَابُعِ هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْقَائِلُ بِالتَّخْيِيرِ. احْتَجَّ بِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إنِّي أَفْطَرْت فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً أَوْ صُمْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» وَقُلْنَا: حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ مَشْهُورٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute