وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فَيَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْخُلْفِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ.
الدُّنْيَا (وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ (خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ ﵏) فَقَالَ: وَلَوْ زَالَ عَنْهُ الْعُذْرُ وَقَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ قَضَى فِيمَا قَدَرَ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ وَقْتِ قَضَائِهِ إلَّا قَدْرَ مَا قَضَى، وَإِنْ لَمْ يَصُمْ فِيمَا قَدَرَ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْكُلِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ مَا قَدَرَ يَصْلُحُ فِيهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ وَهَلُمَّ جَرًّا، فَلَمَّا قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْبَعْضِ فَكَأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْكُلِّ وَلَمْ يَصُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا صَامَ فِيمَا قَدَرَ لِأَنَّهُ بِالصَّوْمِ تَعَيَّنَ أَنْ لَا يَصْلُحَ فِيهِ قَضَاءُ يَوْمٍ آخَرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إلَّا مِقْدَارَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا أَدْرَكَ إلَّا ذَلِكَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) يَعْنِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ قَوْلَهُمَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ (وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ صَحَّ يَوْمًا وَاحِدًا لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَزِمَهُ بِقَدْرِ مَا صَحَّ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ فَصَارَ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ (وَالْفَرْقُ لَهُمَا) بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ) وَقَدْ وَجَدَ، الْمَانِعَ وَهُوَ عَدَمُ الذِّمَّةِ فِي الْتِزَامِ أَدَائِهِ قَدْ زَالَ بِالْبُرْءِ، وَإِذَا وُجِدَ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي وَزَالَ الْمَانِعُ يَظْهَرُ الْوُجُوبُ لَا مَحَالَةَ، وَصَارَ كَصَحِيحٍ نَذَرَ فَمَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَإِذَا ظَهَرَ الْوُجُوبُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْأَدَاءُ يُصَارُ إلَى الْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ (وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ) وَإِدْرَاكُهَا لَمْ يَتَحَقَّقْ بِكَمَالِهِ بَلْ بَعْضُهَا تَحَقَّقَ (فَيَتَقَدَّرُ بِقَدَرِهِ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَسَبَبُ الْأَدَاءِ شُهُودُ الشَّهْرِ فَكَذَا سَبَبُ الْقَضَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّ جُزْءَ السَّبَبِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ كُلِّهِ فَلَا يَكُونُ لِبَعْضِ السَّبَبِ أَثَرٌ فِي بَعْضِ الْحُكْمِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَفْسُ الْوُجُوبِ، بَلْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَسْلِيمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute