وَقِيلَ عِنْدَهُ نَجَاسَةُ الرَّجُلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.
قَالَ (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَجَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) لِقَوْلِهِ ﵊ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَهُوَ بِعُمُومِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ ﵀ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَلَا يُعَارَضُ بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ بِهِ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ وَفِي بَقَاءِ الرَّجُلِ نَجِسًا لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ (وَقِيلَ عِنْدَهُ نَجَاسَةُ الرَّجُلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ)؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمَّا لَمْ تُشْتَرَطْ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ عِنْدَهُ سَقَطَ الْفَرْضُ بِالِانْغِمَاسِ وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَالرَّجُلُ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَيَتَنَجَّسُ بِنَجَاسَتِهِ (وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ) لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ مُنَاسَبَةً لِأَصْلِهِ، فَعَلَى أَوَّلِ أَقْوَالِهِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَعَلَى الثَّانِي تَجُوزُ لَهُ الْقِرَاءَةُ دُونَ الصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَجُوزُ كِلَاهُمَا، وَإِنَّمَا قُدِّمَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يُوَسِّطْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ لِزِيَادَةِ احْتِيَاجِهِ إلَى الْبَيَانِ بِسَبَبِ تَرْكِهِ أَصْلَهُ كَمَا بَيَّنَّا.
قَالَ (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) يَتَعَلَّقُ بِدِبَاغِ الْإِهَابِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: طَهَارَتُهُ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الصَّيْدِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكِتَابِ الصَّلَاةِ: وَالْوُضُوءُ مِنْهُ بِأَنْ يُجْعَلَ قُرْبَةً وَبِهِ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَالصَّلَاةُ فِيهِ بِأَنْ يُجْعَلَ ثَوْبًا وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلَ مُصَلَّى وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ. فِيهِمَا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي الثَّوْبِ بَيَانٌ فِي الْمُصَلَّى لِزِيَادَةِ الِاشْتِمَالِ؛ وَلِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ وَطَهَارَةُ الْمَكَانِ مُلْحَقَةٌ بِهِ بِالدَّلَالَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحُكْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَّلِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ لَا فِيهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ إهَانَةٍ لِكَوْنِهِ فِي بَيَانِ النَّجَاسَةِ وَتَأْخِيرِ الْآدَمِيِّ فِي ذَلِكَ أَوْلَى، وَاسْتَدَلَّ عَلَى الطَّهَارَةِ دُونَ الْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُمَا بِقَوْلِهِ ﷺ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» (وَهُوَ بِعُمُومِهِ) لِكَوْنِهِ نَكِرَةً اتَّصَفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ (حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَطْهُرُ لَكِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْجَامِدِ مِنْ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْمَانِعِ فَيُعْمَلُ جِرَابًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute