للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ الْآيَةَ.

لِلْمُتَقَدِّمِ. وَحُكْمُهَا إبَاحَةُ الصَّلَاةِ أَوْ مَا يُضَاهِيهَا لِمَنْ قَامَتْ بِهِ. وَإِنَّمَا جَمَعَ الطِّهَارَاتِ نَظَرًا إلَى أَنْوَاعِهَا، وَلَا يُشْكِلُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْجَمْعِ فِي مِثْلِهِ أَحَدُ الْجَائِزَيْنِ فَلَا يَرِدُ تَرْكُهُ نَقْضًا.

وَوَجْهُ تَخْصِيصِ الطَّهَارَةِ بِذَلِكَ أَنَّ أَنْوَاعَهَا أَحْسَنُ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا لِتَفَاوُتِهَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمُ وَالْخِفَّةُ وَالْغِلَظُ، بِخِلَافِ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَا يُشْكِلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ بِكِتَابِ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهَا مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ الْوَاجِبُ تَقْدِيمُهَا بَعْدَ الْإِيمَانِ عَلَى كُلِّ عِبَادَةٍ.

قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ تَبَرَّكَ الْمُصَنِّفُ بِتَقْدِيمِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَى حُكْمِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ فِي الدَّعَاوَى تَقْدِيمَ الْمُدَّعَى، وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﴿إِذَا قُمْتُمْ﴾ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ الْخَاصِّ، فَإِنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ، وَذَلِكَ مَجَازٌ شَائِعٌ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْتِفَاتٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ مُحْدِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ قَالُوا: مَعْنَاهُ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْوِيتُ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ بِالِاشْتِغَالِ بِمُقَدِّمَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرُوا كَانَ كُلُّ مَنْ جَلَسَ مُتَوَضِّئًا لَزِمَهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وُضُوءٌ آخَرُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ الصَّلَاةِ بِالِاشْتِغَالِ بِالْوُضُوءِ، وَلِأَنَّ الْحَدَثَ شَرْطُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّيَمُّمَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ إلَى قَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>