بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا، بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ وَحُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ فَخَرَجَا عَمَّا رَوَيْنَا
وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ (؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ عَائِدٌ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ) فَإِنْ قِيلَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ فِي الْكَلَامِ هُوَ الْمُضَافُ فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ الضَّمِيرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا رَأَيْت ابْنَ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَحَرَّضْته عَلَى الِاشْتِغَالِ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إلَى الْمُضَافِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَأَخْبَرْته بِأَنَّ ابْنَك هَذَا فَاضِلٌ فَيَكُونُ رَاجِعًا إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ فَإِنَّ الضَّمِيرَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى كُلٍّ مِنْ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَرُجُوعُهُ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَشْمَلَ لِلْإِجْزَاءِ وَأَحْوَطَ فِي الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ إنْ رَجَعَ إلَى اللَّحْمِ لَمْ يَحْرُمْ غَيْرُهُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ حَرُمَ، فَغَيْرُ اللَّحْمِ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْرُمَ وَأَلَّا يَحْرُمَ فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا وَذَلِكَ بِرُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: (وَحُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَالْآدَمِيُّ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ بِخِلَافِ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ (لِكَرَامَتِهِ) لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ النَّاسُ عَلَى مَنْ كَرَّمَهُ اللَّهُ بِابْتِذَالِ أَجْزَائِهِ. (فَخَرَجَا عَمَّا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ» الْحَدِيثَ، فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ خُرُوجِهِمَا عَنْ الْمَرْوِيِّ، هَلْ هُوَ تَخْصِيصٌ فَيَحْتَاجُ إلَى مُخَصِّصٍ مُقَارِنٍ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، أَمْ نَسْخٌ فَيَحْتَاجُ إلَى نَاسِخٍ مُتَأَخِّرٍ؟ قُلْت: عَدَمُ طَهَارَتِهِمَا ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، فَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ نَاسِخٌ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ مَنَعَ التَّنَاوُلَ لِتَقَرُّرِهِ فِي الشَّرْعِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُعَارِضُهُ فَضْلًا أَنْ يَنْسَخَهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَارِنًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute