(وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) يَعْنِي. إذَا أَفْطَرَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ سِتَّةٍ: إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرَ، أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا يَكُونُ نَذْرًا لِأَنَّهُ نَذَرَ بِصِيغَتِهِ. كَيْفَ وَقَدْ قَرَّرَهُ بِعَزِيمَتِهِ؟ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا يَكُونُ يَمِينًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ، وَإِنْ نَوَاهُمَا يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ﵀ يَكُونُ نَذْرًا، وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَكُونُ يَمِينًا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ، وَيَتَوَقَّفَ الثَّانِي فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا، ثُمَّ الْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ، وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ.
سَمَّى الْمُصَنِّفُ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْقُبْحِ مُجَاوِرًا وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مَا فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ قَاطِبَةً، فَإِنَّهُمْ سَمَّوْهُ بِالْمُتَّصِلِ وَصْفًا، وَأَمَّا الْمُجَاوِرُ جَمْعًا فَمِثْلُ الْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ.
قُلْت: سُؤَالٌ حَسَنٌ. وَالتَّقَصِّي عَنْ عُهْدَةِ جَوَابِهِ مُشْكِلٌ، وَتَقْرِيرُنَا كَافِلٌ كَافٍ لِتَقْرِيرِهِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ فَإِنَّهُ مِنْ مَبَاحِثِ الْأُصُولِ. قَالَ (وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ، وَالْجَمِيعُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، فَفِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَهِيَ: مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرُ، أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا، يَكُونَ نَذْرًا بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْوَاحِدِ يَكُونُ يَمِينًا بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مَا إذَا نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا، وَفِي الِاثْنَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَهُمَا أَوْ نَوَى الْيَمِينَ لَا غَيْرُ يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَوَّلِ نَذْرٌ وَفِي الْيَمِينِ يَمِينٌ، ثُمَّ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا ظَاهِرَةٌ، وَكَفَى بِعَدَمِ الْمُنَازِعِ دَلِيلًا، وَأَمَّا وَجْهُ الْبَاقِينَ فَلِأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْكَلَامِ (حَقِيقَةٌ) لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ (وَالْيَمِينَ مَجَازٌ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا، وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَنْتَظِمُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ.
فَإِذَا نَوَاهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute