للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا صَحَّ الشُّرُوعُ فَالضَّرُورَةُ مُطْلَقَةٌ فِي الْخُرُوجِ، وَيَخْرُجُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا، وَفِي رِوَايَةٍ سِتًّا، الْأَرْبَعُ سُنَّةٌ، وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ، وَسُنَنُهَا تَوَابِعُ لَهَا فَأُلْحِقَتْ بِهَا، وَلَوْ أَقَامَ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اعْتِكَافٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَهُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمَّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ سَاعَةً بِغَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَا: لَا يُفْسِدُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ

فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الضَّرُورَةُ الْمُطْلَقَةُ لِلْخُرُوجِ. وَلَنَا أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ، وَإِذَا صَحَّ الشُّرُوعُ صَحَّتْ الضَّرُورَةُ الْمُطْلَقَةُ لِلْخُرُوجِ إلَيْهَا لِأَنَّ تَرْكَهَا صِيَانَةً لِلِاعْتِكَافِ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ دُونَهَا فِي الْوُجُوبِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ إسْقَاطُ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ بِإِيجَابِهِ. وَقَوْلُهُ (فَلَا يُتِمُّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ عَنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ثَمَّةَ ضَرُورَةٌ مِثْلُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدٍ فَيَنْهَدِمُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ فَكَانَ عَفْوًا.

وَقَوْلُهُ (وَهُوَ الْقِيَاسُ) لِأَنَّ رُكْنَ الِاعْتِكَافِ هُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجُ مُفَوِّتٌ لَهُ، فَكَانَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ سَوَاءً كَالْأَكْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>