وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمْرِ فَكَانَ الْعُمْرُ فِيهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُخَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ، وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَيَتَضَيَّقُ احْتِيَاطًا وَلِهَذَا كَانَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلَ، بِخِلَافِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي مِثْلِهِ نَادِرٌ.
وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَمَرَ بِمَا يُفَوِّتُ الْوَاجِبَ مَعَ إمْكَانِ حُصُولِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِمَا أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ فَكَانَ الْعُمُرُ فِيهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ) فَكَمَا أَنَّهَا جَازَتْ فِي آخِرِ وَقْتِهَا يَجُوزُ الْحَجُّ فِي آخِرِ الْعُمُرِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ مُكَيَّفٌ، وَهُوَ أَنْ لَا يَفُوتَهُ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ فَوَّتَهُ أَثِمَ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ، وَإِنْ مَاتَ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ (وَجْهُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْحَجَّ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ مِنْ كُلِّ عَامٍ وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَكُلُّ مَا اُخْتُصَّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ، وَقَدْ فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِإِدْرَاكِ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعَيْنِهِ وَإِلَّا لَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِهِ، وَذَلِكَ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ يَسْتَوِي فِيهَا الْحَيَاةُ وَالْمَمَاتُ (لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ) مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَضَادَّةِ الْمِزَاجِ (غَيْرُ نَادِرٍ فَيَتَضَيَّقُ احْتِيَاطًا) لَا تَحْقِيقًا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَضَيِّقًا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَامِ الْأَوَّلِ قَضَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ التَّضَيُّقَ إذَا كَانَ احْتِيَاطًا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا تَوْضِيحُهُ بِقَوْلِهِ (وَلِهَذَا كَانَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلَ) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ وَقْتِ الصَّلَاةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ خَاصَّةً، وَأَمَّا أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَدَاءٌ كَمَا فِي الْأَوَّلِ، وَأَنَّ التَّطَوُّعَ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ فَلَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ، وَتَمَامُ هَذَا الْبَحْثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute