للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِالشِّفَاءِ فِيهِ فَلَا يَعْرِضُ عَنْ الْحُرْمَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي لِلْقِصَّةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ.

قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورَةٌ أَوْ صَعْوَةٌ أَوْ سُودَانِيَّةٌ أَوْ سَامٌّ أَبْرَصُ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلَاثِينَ بِحَسَبِ كِبَرِ الدَّلْوِ وَصِغَرِهَا) يَعْنِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا»

بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً وَأَلَّا يَكُونَ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ. وَقِيلَ إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَيْنِ فِي التَّقْرِيرِ وَشَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا) وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ الشِّفَاءُ فِيهِ (فَلَا يَعْرِضُ عَنْ الْحُرْمَةِ) وَأَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى الْقِصَّةِ فَقَالَ: يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي لَا لِغَيْرِهِ. وَمُحَمَّدٌ لَمَّا طَهَّرَهُ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّبَنِ فَيَحِلُّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ.

قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورَةٌ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْحَيَوَانَ الْوَاقِعَ فِي الْبِئْرِ لَا يَخْلُو مِنْ أَوْجُهٍ سَبْعَةٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فَأْرَةً أَوْ نَحْوَهَا، أَوْ دَجَاجَةً أَوْ نَحْوَهَا أَوْ شَاةً وَنَحْوَهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَالْمَيِّتُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِخًا أَوْ لَا، فَمَا أُخْرِجَ حَيًّا لَا يُنَجِّسُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا إلَّا الْخِنْزِيرُ لِكَوْنِهِ نَجِسَ الْعَيْنِ وَالْكَلْبُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا أُخْرِجَ مَيِّتًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِيهَا فَأْرَةً أَوْ عُصْفُورَةً أَوْ صَعْوَةً.

قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: الصَّعْوُ: صِغَارُ الْعَصَافِيرِ الْوَاحِدَةُ صَعْوَةٌ، وَالسَّوَادِيَّةُ: طُوَيْرَةٌ طَوِيلَةُ الذَّنَبِ تَأْكُلُ الْعِنَبَ وَالْجَرَادَ. وَسَامٌ أَبْرَصُ: الْكَبِيرُ مِنْ الْوَزَغِ وَلَمْ يَنْتَفِخْ (نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلَاثِينَ بِحَسَبِ كِبَرِ الدَّلْوِ وَصِغَرِهَا) قِيلَ الصَّاعُ كَبِيرٌ وَمَا دُونَهُ صَغِيرٌ: يَعْنِي يَنْقُصُ عَنْ الْعِشْرِينَ فِي الْكَبِيرِ وَيُزَادُ عَلَيْهِ فِي الصَّغِيرِ.

وَقَوْلُهُ: (يَعْنِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ) يَعْنِي أَنَّ النَّزْحَ إنَّمَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا إذَا كَانَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ نَجَاسَةِ الْبِئْرِ حُصُولُ الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ فِيهَا فَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>