لك، وشكرت لك نصيحتك، وقبلتها بقبولها، والله الموفق للخير، والمعين عليه، وبه أستعين، وعليه أتوكل، وهو حسبى ونعم الوكيل، فلا تخلنى من مطالعتك إياى بمثلها، فإنك المقبول القول غير المتهم في النصيحة.
قلت: أفعل إن شاء الله. فأمر له بمال يستعين به على خروجه، فلم يقبله، وقال: أنا في غنى عنه، وما كنت لأبيع نصيحتى بعرض الدنيا كلها، وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه في رده.
...
ولما حج الرشيد قيل له: يا أمير المؤمنين، قد حج شيبان. قال: اطلبوه لى، فأتوه به، فقال: يا شيبان، عظنى، قال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل ألكن، لا أفصح بالعربية، فجئنى بمن يفهم كلامى حتى أكلمه. فأتى برجل يفهم كلامه، فقال له بالنبطية: قل له: يا أمير المؤمنين، إن الذي يخوفك قبل أن تبلغ المأمن، أنصح لك من الذي يؤمنك قبل أن تبلغ الخوف، قال له: أى شىء تفسير هذا؟ قال: قله: الذي يقول لك: اتق الله فإنك رجل مسؤول عن هذه الأمة، استرعاك الله عليها، وقلدك أمورها، وأنت مسؤول عنها، فاعدل في الرعية، واقسم بالسوية، وانفذ في السرية، واتق الله في نفسك، هذا الذي يخوفك، فإذا بلغت المأمن أمنت، هذا أنصح لك ممن يقول: أنتم أهل بيت مغفور لكم، وأنتم قرابة نبيكم وفى شفاعته، فلا يزال يؤمنك حتى إذا بلغت الخوف عطبت، قال: فبكى هارون حتى رحمه من حوله، ثم قال: زدنى، قال: حسبك.
...
وعن علقمة بن أبى مرثد، قال: لما قدم عمر بن هبيرة العراق، أرسل إلى الحسن وإلى الشعبى، فأمر لهما ببيت، فكانا فيه نحواً من شهر، ثم دخل عليهما وجلس معظماً لهما، فقال: إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يكتب إلى كتباً، أعرف أن في إنقاذها الهلكة، فإن أطعته عصيت الله، وإن عصيته أطعت الله، فهل تريان في متابعتى إياه فرجاً؟ فقال الحسن: يا أبا عمرو، أجب الأمير. فتكلم الشعبى، فانحط في أمر ابن هبيرة، كأنه عذره، فقال: ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ قال: أيها الأمير، فقد قال الشعبى ما قد سمعت. فقال: ما تقول أنت؟ قال: أقول: يا عمر بن هبيرة، ويوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله تعالى فظ غليظ لا يعصى الله ما أمره، فيخرجك