للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣٥ - ٣٦] (١)، وقال لأخرى: "زوجك الذي في عينيه بياض؟ " (٢).

فقد اتفق في مزاحه صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أشياء:

أحدها: كونه حقاً.

والثاني: كونه مع النساء والصبيان، ومن يحتاج إلى تأديبه من ضعفاء الرجال.

والثالث: كونه نادراً، فلا ينبغي أن يحتج به من يريد الدوام عليه، فان حكم النادر ليس كحكم الدائم، ولو أن إنساناً دار مع الحبشة ليلاً ونهاراً ينظر إلي لعبهم واحتج بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف لعائشة وأذان لها أن تنظر إلى الحبشة، لكان غالطاً، لندور ذلك، فالإفراط بى المزاح والمداومة عليه منهي عنه، لأنه يسقط الوقار، ويوجب الضغائن والأحقاد، وأما اليسير كما تقدم، من نحو نوع مزاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن فيه انبساطاً وطيب نفس.

الآفة السادسة: السخرية والاستهزاء، ومعنى السخرية: الاحتقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالشارة والإيماء، وكله ممنوع منه في الشرع، ورد النهى عنه في الكتاب والسنة.

الآفة السابعة: إفشاء السر، وإخلاف الوعد والكذب في القول واليمين، وكل ذلك منهي عنه، إلا ما رخص فيه من الكذب لزوجته، وفى الحرب فإن ذلك يباح.

وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو فيه مباح إن كان هذا المقصود مباحاً. وإن كان المقصود واجباً، فهو واجب، فينبغي أن يحترز عن الكذب مهما أمكن.

وتباح المعاريض، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن في المعاريض مندوحة عن الكذب" (٣)، وإنما تصلح المعاريض عند الحاجة إليها، فأما مع غير الحاجة،


(١) أخرجه الترمذي في "الشمائل" (٢٤٠) مرسلا، واسنده ابن الجوزي في "الوفاء" من حديث أنس بسند ضعيف.
(٢) عزاه العراقي للزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، ولم يذكر سنده ولا تكلم عليه بشيء.
(٣) أخرجه البيهقي وابن عدي من حديث عمران بن حصين مرفوعاً، وفي سنده داود بن الزبرقان وهو متروك وكذبه الأزدي، لكن رواه البخاري في "الأدب المفرد" (٨٨٥) موقوفاً على عمران بن حصين بلفظ "إن في معاريض الكلام =

<<  <   >  >>