" فبقيت تلك الدنانير عنده مئة ثم نفذ العجوز لطلبها، وكان قد أصلح حاله للسفر، فدفع إليها الدنانير، وركب من يومه، وخرج من حلب إلى كفرطاب، فاستصحب منها ما أراد.
وسير حسين بن كامل بن الدوح إلى سديد الملك بن منقذ يسأله الاجتماع فاجتمعا، فقال: له حسين: " ايش رأيك في الدخول إلى حلب "
فقال: ما أقول لك شيئاً لأن لك مالاً عظيماً، فإن أشرت عليك بتركه كنت ملوماً عندك، ولكني أقول لك ما أعمل، وأنت ترى رأيك والله لا نظرت محموداً أبداً " وسار إلى طرابلس فكتب محمود إلى ابن عمار يأمره بالقبض عليه، ويبذل له ثلاثة آلاف درهم ورقية فلم يظفر به.
وسار ابن منقذ حتى وصل إلى طرابلس في سنة خمس وستين، فلقي ابن عمار وأخاه، فكاتبهما محمود فتنكرا له.
وعزم ابن منقذ على الطلوع إلى مصر، فاتفق موت أمين الدولة ابن عمار فشد ابن منقذ من جلال الملك علي بن عمار وعاضده بمماليكه ومن طلع معه أهل كفرطاب، فأخرجوا أخا أمين الدولة، وتولى جلال الملك، وعظم محل منقذ عنده حتى كان حكمه في طرابلس مثله وكاتبه محمود بتطييب قلبه، فلم به، ولم يعد إلى حلب حتى مات.
وقيل: إن ابن النحاس، كاتب محمود، كتب إليه كتاباً من نفسه يضمن له الرضا عن محمود، وكتب في آخره: إن شاء الله " وشدد النون من إن، ففطن منقذ بأنه أراد قوله تعالى: " إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك "، فكتب جوابه: وكتب إن الخادم، وكسر الألف، وشدد النون من إنا، ففطن أبن النحاس بأنه أراد قوله تعالى: " إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها ".
وأما محمود فإنه لما يئس من عود أبي الحسن بن منقذ قبض على أملاكه