فعند ذلك خرج نور الدين لقصد بلاد الفرنج، ونزل إلى حلب وجمع العساكر وأرسل إلى أخيه قطب الدين صاحب الموصل، وإلى فخر الدين قرا أرسلان صاحب حصن كيفا، والي نجم الدين ألبى صاحب ماردين وغيرهم من أصحاب الأطراف واستنجد بهم.
فسار قطب الدين ومقدم عسكره زين الدين علي كوجك، وسير صاحب ماردين عسكره، وأما صاحب الحصن فقال له خواصه وندماؤه: على أي شيء عزمت؟ فقال: على القعود، فإن نور الدين قد تحشف من كثرة الصوم والصلاة، فهو يلقي نفسه ومن معه في المهالك.
فلما جاء الغد أمر العسكر أن يتجهز للغزاة فسألوه عما صدفه عن رأيه، فقال: إن نور الدين إن لم أنجده خرجت بلادي عن يدي، فإنه قد كاتب زهادها والمنقطعين عن الدنيا يستمد منهم الدعاء، ويطلب منهم أن يحثوا المسلمين على الغزاة، وقد قعد كل واحد منهم ومعه أتباعه وأصحابه، وهم يقرؤون كتب نور الدين، ويبكون، فأخاف أن يجتمعوا على لعنتي والدعاء علي ثم تجهز وسار بنفسه.
ولما اجتمعت العساكر خرج نور الدين إلى حارم، وحصرها، ونصب المجانيق عليها، وزحف إليها، فخرج البرنس بيمند، والقمص صاحب طرابلس، وابن جوسلين والدوك مقدم كبير من الروم. وابن لاون ملك الأرمن، وجمعوا جميع من بقي من الفرنج بالساحل، وقصدوا نور الدين.
فرحل إلى أرتاح ليتمكن منهم إن طلبوه ويبتعدوا عن البلاد إن لقوه، وسير أثقاله إلى تيزين، فساروا فنزلوا على الصفيف، ثم عادوا إلى حارم، فتبعهم نور الدين على تعبئة الحرب، فلما تقاربوا اصطفوا للقتال فحمل الفرنج على ميمنة