أخبرني الزكي أحمد بن مسعود الموصلي المقرىء، قال: كنت أوم بعلم الدين سليمان بن جندر، فاتفق أن خرجت معه إلى حارم، في سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وجلست معه تحت شجرة. هناك. فقال: كنت ومجد الدين أبو بكر ابن الداية والملك الناصر صلاح الدين، تحت هذه الشجرة، ونور الدين إذ ذاك يحاصر حارم، وهي في أيدي الفرنج. فقال مجد الدين: كنت أتمنى أن نور الدين يفتح حارم، ويعطيني إياها، فقال صلاح الدين: أتمنى على الله مصر. ثم قالا لي: تمن أنت شيئاً، فقلت: إذ كان مجد الدين صاحب حارم وصلاح الدين صاحب مصر، ما أضيع بينهما. فقالا: لا بد من أن تتمنى شيئاً. فقلت: إذا كان ولا بد من ذلك فأريد عم.
فقذر الله أن نور الدين كسر الفرنج، وفتح حارم، وأعطاها مجد الدين، وأعطاني عم. فقال صلاح الدين: أخذت أنا مصر والله، فاننا كنا ثلاثة، وتمنى مجد الدين حارم، وأخذها. وتمنى علم الدين عم وأخذها. وقد بقيت أمنيتي. فقدر الله تعالى: أن فتح أسد الدين مصر، ثم آل الأمر إلى أن ملكها صلاح الدين. وهذا من أغرب الإتفاقات.
وزوج السلطان الملك الناصر ولده الملك الظاهر، في هذه السنة، بابنة أخيه غازية خاتون بنت الملك العادل. ودخل بها يوم الأربعاء سادس وعشرين من شهر رمضان.
[العساكر الإسلامية والفرنج]
ثم إن السلطان عزم قصد الكرك مرة أخرى فبرز من دمشق، في النصف من محرم سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وسير إلى حلب يستدعي عسكرها، فاعتاق عليه، لاشتغاله بالفرنج بأرض أنطاكية، وبلاد ابن لاون، وذلك أنه كان قد مات، وأوصى لابن أخيه بالملك.
وكان الملك المظفر تقي الدين بحماة، فسير إليه السلطان، وأمره بالدخول إلى بلاد العدو، فوصل إلى حلب في سابع عشري محرم، ونزل في دار عفيف الدين بن زريق، وأقام بها إلى ثالث صفر، وانتقل إلى داري الآن، وكانت إذ ذاك في ملك الأمير طمان.