والصوفية وغيرهم، فلو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح فغضب من ذلك وقال: والله إنني لا أرجو النصر إلا بدعاء أولئك، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم، كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطىء، وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال، كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم!.
وقيل: إن برهان الدين البلخي قال لنور الدين: أتريدون أن تنصروا وفي عسكركم الخمور والطبول والزمور، كلا والله. فلما سمع نور الدين كلامه عاهد الله على التوبة، ونزع عنه ثيابه تلك التي كان يلبسها، والتزم بلبس الخشن، وبطل جميع ما كان بقي في بلاده من الأعشار والمكوس والضرائب، ومنع من ارتكاب الفواحش، وكتب إلى البلاد إلى زهادها وعبادها يذكر لهم ما نال المسلمين من القتل والأسر، ويستمد منهم الدعاء، وإن يحثوا المسلمين على الغزاة، وكاتب الملوك الإسلامية يطلب منهم النجد والإستعداد، وامتنع من النوم على الوطيء وعن جميع الشهوات.
[نور الدين وشيركوه]
وراسله الفرنج في طلب الصلح فامتنع، فبينا هو في الاستعداد للجهاد إذ ورد عليه في شهر ربيع الأول، من سنة تسع وخمسين وخمسمائة، شاور وزير العاضد بمصر إلى دمشق، ملتجئاً إليه، ومستجيراً به على ضرغام، وكان قد نازعه في الوزارة وغلب عليها.
وطلب منه إرسال العساكر معه إلى مصر ليعود إلى منصبه، ويكون لنور الدين ثلث دخل البلاد بعد إقطاعات العساكر، ويكون نائبه مقيماً بعساكره في مصر،