وحين رجع أفشين من الشام ولم يبق في أعمال حلب ضيعه مسكونة من بلد المعرة إلى حلب، توجه إلى بلد أنطاكية فأخرب ما قدر عليه، ونهب وسبي ما وجده، وحمل إليه من أنطاكية مال، وتوجه إلى الشرق بعد امتلاء صدره وصد عسكره من النهب.
وجرى من هذا الحادث بالشام أمر لم يسمع بمثله، وتلف أهله بعد ذلك بالجوع ووجد قوم قد قتلوا قوماً وأكلوا لحومهم، وبيعت الحنطة ستة أرطال بدينار وما سوى ذلك بالنسبة.
وجدد من سلم من الشام إلى بلد شرف الدولة أبي المكارم مسلم بن قريش، فأحسن إليهم وتصدق عليهم، وكان ذلك الإحسان منه أكبر الأسباب في مملكته حلب.
[شرف الدولة في حلب ونهاية المرداسيين]
ولما جرى هذا الحادث طمع شرف الدولة في الشام، وكاتبه سابق بن محمود يبذل له التسليم إليه، ووفدت عليه بنو كلاب بأسرها، فتوجه إلى حلب، ونزل بالس يوم عيد النحر من سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
ونزل حلب في السادس عشر من ذي الحجة، سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة فغلقت أبوابها في وجهه، وكان عند سابق أخواه شبيب ووثاب بحلب، فلم يمكناه من التسليم، فلم يقاتلها، وأهلها يحرصون على التسليم إليه لما هم فيه من الجوع وعدم القوت.
وكان مع شرف الدولة في عسكره غلة كثيرة وقوة تجوز الحد، وتزيد عن الوصف وكان الرئيس بحلب ونقيب الأحداث بها الشريف حسن بن هبة الله الهاشمي، المعروف بالحتيتي، وكان ولده أبو منصور قد خرج مع عسكر سابق لقتال بعض الأتراك المخالفين في بيت لاها فأسروه، وبقي أسيراً في الموضع مع خطلج أحد أصحاب أحمد شاه.