فنرل جدي، وجلس بشمالية الجامع تحت المنارة، واستدعى المؤذنين، وأمرهم بالأذان المشروع على رأي أبي حنيفة، فخافوا فقال لهم: ها أنا أسفل منكم ولي أسوة بكم.
فصعد المؤذنون وشرعوا في الأذان، فاجتمع تحت المنارة من عوام الشيعة وغوغائهم خلق كثير فقام القاضي إليهم، وقال: يا أصحابنا، وفقكم الله، من كان على طهارة فليدخل وليصل، ومن كان محدثاً فليجدد وضوءه ويصلي، فإن المولى نور الدين بحمد الله في عافية، وقد تقدم بما يفعل، فانصرفوا راشدين. فانصرفوا وقالوا: ايش نقول لقاضينا! ونزل المؤذنون وصلى بالناس، وسكنت الفتن.
فلما عوفي نور الدين قصد حران، فهرب نصرة الدين أمير أميران، وترك أولاده بالقلعة بحران فتسلمها، وأخرجهم منها، وسلمها إلى زين الدين علي كوجك، نائب أخيه، قطب الدين.
ثم سار إلى الرقه وبها أولاد أميرك الجاندار، وقد مات أبوهم، فشفع إليه بعض الأمراء في إبقائها عليهم، فغضب، وقال: هلا شفعتم في أولاد أخي لما أخذت منهم حران، وكانت الشفاعة فيهم من أحب الأشياء إلي، وأخذها منهم.
[تحرك الفرنج وانتصارهم في البقيعة]
وخرج مجد الدين ابن الداية من حلب إلى الغزاة، في شهر رجب من سنة خمس وخمسين، فلقي جوسلين بن جوسلين، فكسره، وأخذه أسيراً، ودخل به إلى قلعة حلب.
ثم إن الفرنج أغاروا على بلد عين تاب، فأخذوا التركمان، ونهبوا أغنامهم، وعادوا يريدون أنطاكية، فخرج إليهم مجد الدين، ولقيهم بالجومة، وكسرهم،