ولما سمع قطب الدين والوزير جمال الدين، وزين الدين بالموصول، جمعوا العساكر، وعزموا على قصد سنجار وساروا إلى تل أعفر، فأشار الوزير جمال الدين بمداراته، وقال: إننا نحن قد عظمنا محله عند السلطان، وجعلنا محلنا دونه، وهو فيعظمنا عند الفرنج، ويظهر أنه تبع لنا، ويقول: إن كنتم كما نحب وإلا سلمت البلاد إلى صاحب الموصل، وحينئذ يفعل بكم ويصنع، فإن هزمناه طمع فينا السلطان ويقول: إن الذي كانوا يعظمونه، ويخوفوننا به أضعف منهم، وقد هزموه، وإن هو هزمنا طمع فيه الفرنج، ويقولون: إن الذي كان يحتمي بهم أضعف منه، وبالجملة فهو إبن أتابك الكبير، وأشار بالصلح.
وسار إلى نور الدين بنفسه، فوفق بينهما على أن يسلم سنجار إلى قطب الدين، ويتسلم الرحبة، ويتسلم نور الدين بالشام جميعه، وقطب الدين بالجزيرة ما خلا الرها، فإنها لنور الدين.
[انتصارات نور الدين وضم دمشق]
وعاد نور الدين إلى الشام، وأخذ ما كان قد ادخره أبوه أتابك من الخزائن، وكانت كثيرة جداً.
فغزا نور الدين محمود بن زنكي بلد الفرنج من ناحية أنطاكية، وقصد حصن حارم وهو للفرنج، فحصره، وخرب ربضه، ونهب سواده، ثم رحل إلى حصن إنب فحصره أيضاً.
فاجتمع الفرنج مع البرنس صاحب أنطاكية وحارم، وتلك الأعمال، وساروا إلى نور الدين ليرحلوه عن إنب، فلقيهم يوم الأربعاء حادي وعشرين من صفر، سنة أربع وأربعين وخمسمائة، واقتتلوا قتالاً عظيماً، وباشر نور الدين القتال ذلك اليوم،