فانهزم الفرنج أقبح هزيمة، وقتل منهم جمع كثير، وأسر مثله.
وكان ممن قتل ذلك اليوم البرنس صاحب أنطاكية، وكان من عظماء الفرنج وأقويائهم. ويحكى عنه أنه كان يأخذ الركاب الحديد بيده، فيطبقه بيده الواحدة، وأنه مر يوماً وهو راكب حصاناً قويا تحت قنطرة فيها حلقة أو شيء مما يتعلق به، فتعلق بيديه وضم فخذيه على الحصان فمنعه الحركة.
فلما قتل البرنس ملك بعده ابنه بيمند، وتزوجت أمه بابرنس آخر، ليدبر البلد إلى أن يكبر ابنها، وأقام معها بأنطاكية، فغزاهم نور الدين غزوة ثانية، فاجتمعوا ولقوه فهزمهم، وقتل منهم خلقاً وأسر كذلك، وأسر البرنس الثاني زوج أم بيمند، واستقل بيمند بأنطاكية.
وفي ذلك يقول الشيخ أبو عبد الله القيسراني من قصيدة أولها:
هذي العزائم لا ما تدعي القضب ... وذي المكارم لا ما قالت الكتب
صافحت يا ابن عماد الدين ذروتها ... براحة للمساعي دونها تعب
أغرت سيوفك بالأفرنج راجفة ... فؤاد رومية الكبرى لها يحب
ضربت كبشهم منها بقاصمة ... أودى بها الصلب وانحطت بها الصلب
طهرت أرض الأعادي من دمائهم ... طهارة كل سيف عندها جنب
وقال ابن منير في ذلك:
صدم الصليب على صلابة عوده ... فتفرقت أيدي سبا خشباته
وسقى البرنس وقد تبرنس ذلة ... بالروج مما قد جنت غدراته
تمشي القناة برأسه وهو الذي ... نظمت مدار النيرين قناته
وسار نور الدين محمود إلى أفامية، في سنة خمس وأربعين، فالتجأ الفرنج إلى حصنها فقاتله، واجتمع الفرنج وساروا إليه ليرحلوه عنه، فوجدوه قد ملكه وملأه من