وحين بلغ من بقنسرين مع الأثقال هزيمة من كان في مقابلة صاحب زردنا رحلوا إلى حلب، وانزعج أهل حلب غاية الإنزعاج، فوصلهم البشير بعد ساعتين بما بدل غمهم سروراً وهمهم حبوراً.
وكان البشير من الفرنج قد مضى إلى بلادهم وأخبر بكسرة صاحب زردنا للمسلمين، فزينوا بلادهم، وأظهروا فيها الجذل والمسرة فوصل ابن
صنجيل من الكسرة بعد ذلك، فانقلب سرورهم حزناً وراحتهم تعباً وعناء.
وكان صاحب زردنا، وهو القومصى الأبرص واسمه روبارد، قد سقط عن فرسه، فأدركه قوم من أهل جبل السماق من أهل مريمين، فقبضوه وحملوه إلى إيلغازي بظاهر حلب، فأنفذه إلى أتابك طغتكين، فقتله صبراً.
ثم دخل إيلغازي إلى حلب، وأحضر الأسرى فأفرد أصحاب القلاع والمقدمين وابن بيمند صاحب أنطاكية ورسول ملك الروم ونفراً يسيراً ممن كان معه مال فأخذه وأطلقهم، وبقي من الأسرى نيف وثلاثون رجلاً بذلوا من المال ما رغب عنه، فقتلهم بأسرهم.
وتوجه من حلب إلى ماردين في جمادى الأولى من سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، ليجمع من التركمان من يعود به إلى بلد حلب، وكانت حلب ضعيفة عن مقامه فيها، فخرج الفرنج إلى بلد المعرة، فسبوا جماعة، وأدركهم جماعة من الترك فرجعوا.
[غارات بغدوين وجوسلين]
ثم خرج بغدوين من أنطاكية في عسكره ونزل على زور، غربي البارة وهو حصن كان لابن منقذ وسلمه إليهم ولما جرت الوقعة الأولى
على البلاط عاد وأخذه، فقاتله بغدوين، وأخذه في جمادى الأولى، وأطلق من كان فيه.
ورحل إلى كفر روما فأخذ حصنها بالسيف، وقتل جميع من كان فيه، ووصلوا إلى كفر طاب، وقد أحرق ابن منقذ حصنها، وأخذ رجاله منه خوفاً منهم، فرمموه، ورتبوا رحالهم فيه، وساروا إلى سرمين ومعرة مصرين فتسلموها بالأمان، ثم نزلوا زردنا، ورحلوا عنها إلى أنطاكية.