فلما وصل شرف الدولة إلى حلب وفد الذك كلهم عليه، وتقربوا إليه بولد الشريف الحتيتي وقيل: إنه طلبه منهم فلما حضر عنده خلع عليه، وأطلقه فدخل البلد، وأخذ معه جماعة من أصحابه، وفتح باب حلب، ونادى بشعار شرف الدولة في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة، من سنة ائنتين وسبعين وأربعمائة.
وتسلمها، ودخل أصحابه إليها، وقلع أبوابها جميعها، وفتح باب
أربعين وكان مسدوداً وأحسن إلى كافة أهلها، وخل على أحداثهم، وتصدق بمال كثير وغلة.
وكان سديد الملك بن منقذ قد وفد على شرف الدولة ونزل معه على حلب، وكان شرف الدولة قد عزم على الرحيل من حلب لما حل بهم من الضجر ومصابرة أهل حلب، وغلت الأشعار عندهم حتى صار الخبز ستة أرطال بدينار.
وفر سديد الملك أبو الحسن بن منقذ من سور القلعة، فاطلع إليه صديق له من أهل الأدب، فقال له:" كيف أنتم " فقال: طول جب " خوفر من تفسير الكلمة، فعاد ابن منقذ وهو يقلب هذا الكلام فصح له إنه قصد بكلامه أنهم قد ضعفوا. وأوجس أنها كلمتان، وأن قوله: طول يريد به: مدا، وجب " يريد به " بير " فقال " مدابير والله، فأعلم شرف الدولة بدلك فقوى نفسه فملكها.
ولما فتحت المدينة انحاز سابق إلى القلعة، وأخواه شبيب ووثاب في القصر، لضيق القلعة، وشرف الدولة محاصر للقلعة بالمنجنيقات والعساكر ولم يبق بالشام وحصون جبل بهرا، وحمص، وفامية شيزر ومن لم يفد على السلطان إلا وفد عليه.
ودبر شبيب ووثاب، وهما في القصر على سابق وقفزا في القلعة، وصاح الأجناد بها: شبيب يا منصور، وقبض سابق وحبس، وتسلم شبيب ما كان بها من مال وسلاح.
ثم وقعت السفارة بينهم وبين شرف الدولة على أن أقطع شبيباً ووثابا قلعتي عزاز والأثارب وعدة ضياع وأقطع سابق بن محمود مواضع أخر في أعمال الرحبة،