شمالي الأثارب، وذلك في يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول.
وضجر الأمراء من طول المقام، وإيلغازي ينتظر أتابك طغتكين ليصل إليه ويتفقا على ما يفعلانه، فاجتمعوا وحتوا إيلغازي على مناجزة العدو فجدد إيلغازي الأيمان على الأمراء والمقدمين أن يناصحوا في حربهم، ويصابروا في قتال العدو، وأنهم لا ينكلون ويبذلون مهجهم في الجهاد، فحلفوا على ذلك بنفوس طيبة.
وسار المسلمون جرايد، وخلفوا الخيام بقنسرين، وذلك في يوم الجمعة السادس عشر من شهر ربيع الأول، فباتوا قريباً من الفرنج وقد شرعوا في عمارة حصن مطل على تل عفرين والفرنج يتوهمون أن المسلمين ينازلون الأثارب أو زردنا، فما شعروا عند الصبح إلا ورايات المسلمين قد أقبلت، وأحاطوا بهم من كل جانب.
وأقبل القاضي أبو الفضل بن الخشاب يحرض الناس على القتال، وهو راكب على حجر وبيده رمح، فرآه بعض العسكر فازدراه وقال: إنما جئنا من بلادنا تبعاً لهذا المعمم! فأقبل على الناس، وخطبهم خطبة بليغة استنهض فيها عزائمهم، واسترهف هممهم بين الصفين، فأبكى الناس وعظم في أعينهم.
ودار طغان أرسلان بن دملاج من ورائهم ونزل في خيامهم، وقتل من فيها ونهبها، وألقى الله النصر على المسلمين، وصار من انهزم من الفرنج وقصد الخيام قتل.
وحمل الترك بأسرهم حملة واحدة من جميع الجهات صدقوهم فيها، وكانت السهام كالجراد، ولكثرة ما وقع في الخيل والسواد من السهام عادت منهزمة وغلبت فرسانها، وطحنت الرجالة والأتباع والغلمان بالسهام، وأخذوهم بأسرهم أسرى. وقتل سرجال في الحرب، وفقد من المسلمين عشرون نفراً منهم سليمان بن مبارك بن شبل، وسلم من الفرنج مقدار عشرين نفراً لا غير، وانهزم جماعة من أعيانهم.