فتجمعوا لذلك، فرحل أتابك عن دمشق، في خامس شهر رمضان، للقاء الفرنج إن قربوا منه إلى ناحية بصرى وصرخد من حوران، وأقام مدة، ثم عاد إلى الغوطة فنزل عذراء وأحرق عدة ضياع من الغوطة.
ووصل الفرنج فنزلوا بالميدان، فرحل أتابك إلى ناحية حمص. وأسر ريمند صاحب أنطاكية إبراهيم بن طرغت صاحب بانياس، وقتله. ونزل معين الدين أنر عليها فحصرها وتسلمها، وسلمها إلى الفرنج، وعادت خاتون إلى حلب في العشرين من ربيع الأول. وعاد أتابك إلى حلب في الرابع والعشرين من جمادى الأولى، واستقر الحال بين زنكي وأبق على أن خطب لزنكي بدمشق.
ومات قاضي حلب أبو غانم محمد بن أبي جرادة في شهر ربيع الآخر من سنة أربع ثلاثين وخمسمائة، فولى أتابك قضاء حلب ولده أبا الفضل هبة الله بن محمد بن أبي جرادة، ولما استحضره وولاه القضاء قال له: هذا الأمر قد نزعته من عنقي، وقلدتك إياه، فينبغي أن تتقي الله وأن تساوي بين الخصمين، هكذا، وجمع بين أصابعه.
وكثر عيث التركمان وفسادهم، وامتدت أيديهم إلى بلاد الفرنج، فأرسلوا رسولاً إلى أتابك يشكونهم، فعاد الرسول متنصلاً، فلقيه قوم من التركمان فقتلوه، فأغار الفرنج على حلب، فأخذوا من العرب والتركمان ما لا يحصى.
وعاد أتابك في سنة ست وثلاثين على الحلبيين بالقطيعة التي كان قررها على الأملاك، وأرسل إليهم علي الفوتي العجمي، فعسف الناس في استخراج القطيعة، وأخرف بهم، ومات ابن شقارة بحلب، وصارت أملاكه إلى بيت المال فرد على الناس ما كان وظف على أملاكه من القطيعة وأخذه منهم.