وأحاط المسلمون بها من كل الجهات، وحالوا بينها وبين من يدخل إليها بميرة أو غيرها، ونصب عليها المجانيق، وشرع الحلبيون فنقبوا عدة مواضع عرفوا أمرها إلى أن وصلوا تحت أساس أبراج السور، فعلقوه بالأخشاب، واستأذنوا أتابك في إطلاق النار فيه، فدخل إلى النقب نفسه وشاهده ثم أذن لهم، فألقوا النار فيه، فوقع السور في الحال.
وهجم المسلمون البلد، وملكوه بالسيف يوم السبت سادس عشر جمادى الآخرة، وشرعوا في النهب والقتل والأسر والسبي، حتى امتلأت أيديدهم من الغنائم. ثم أمر أتابك برفع السيف عن أهلها، ومنع السبي، ورده من أيدي المسلمين، وأوصى بأهلها خيراً، وشرع في عمارة ما انهدم منها وترميمه.
وكان جمال الدين أبو المعالي فضل الله بن ماهان رئيس حران هو الذي يحث أتابك في جميع الأوقات على أخذها، ويسهل عليه أمرها، فوجد على عضادة محرابها مكتوب:
أصبحت صفراً من بني الأصفر ... أختال بالأعلام والمنبر
دان من المعروف حال به ... ناء عن الفحشاء والمنكر
مطهر الرحب على أنني ... لولا جمال الدين لم أطهر
فبلغ ذلك رئيس حران، فقال: انحوا جمال الدين، واكتبوا عماد الدين.
فبلغ ذلك زنكي، فقال: صدق الشاعر لولاك ما طمعنا فيها. وأمر عماله بتخفيف الوطأة عليهم في الخراج، وأن يأخذوه على قدر مغلاتها.
ثم رحل إلى سروج ففتحها، وهرب الفرنج منها، ثم رحل فنزل على البيرة، في هذه السنة فحاصرها في هذه السنة.
وجاءه الخبر من الموصل أن نصير الدين جقر نائبه بالموصل قتل، فخاف