الردم سالمة، فتسلم القلعة وعمر أسوارها ودورها، وكان نور الدين قد سأل أخت شمس الملوك عن المال وهددها، فذكرت له أن الدار سقطت عليها وعليهم، ونبشت هي دونهم، ولا تعلم بشيء، وإن كان لهم شيء فهو تحت الردم.
وكان شرف الدولة إسماعيل غائباً، فلما حضر وعاين قلعة شيزر، ورأى زوجة أخيه في ذلك الذل بعد العز، عمل قصيدة أولها:
ليس الصباح من المساء بأمثل ... فأقول لليل الطويل ألا انجلى
قال فيها:
يا تاج دولة هاشم بل يا أبا الت ... يجان بل يا قصد كل مؤمل
لو عاينت عيناك قلعة شيزر ... والستر دون نسائها لم يسبل
لرأيت حصناً هائل المرأى غدا ... متهلهلاً مثل النقا المتهيل
لايهتدي فيه السعاة لمساك ... فكأنما تسري بقاع مهول
ذكر فيها زوجة أخيه، فقال:
نزلت على رغم الزمان ولو حوت ... يمناك قائم سيفها لم تنزل
فتبدلت عن كبرها بتواضع ... وتعوضت عن عزها بتذلل
وأقامت الزلازل تتردد في البلاد سبع سنين، وهلك فيها خلق كثير.
وفي هذه السنة أبطل الملك العادل نور الدين، وهو بشيزر، مظالم ومكوساً ببلاده كلها مقدارها مائة وخمسون ألف دينار.
ثم إن نور الدين تلطف الحال مع ضحاك البقاعي، وراسله، وهو ببعلبك، وكان قد عصى فيها بعد فتح دمشق، ولم ير أن يحصره بها لقربه من الفرنج، فسلمها إلى نور الدين في هذه السنة.
وجرت وقعة بين نور الدين وبين الفرنج بين طبرية وبانياس، فكسرهم نور الدين كسرة عظيمة في جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة.