وخرج نور الدين إلى تل باشر، فوصله الخبر بوفاة أخيه قطب الدين بالموصل في ذي الحجة، وكان أوصى بالملك لابنه الأكبر عماد الدين زنكي، وكان طوع عمه نور الدين لكثرة مقامه عنده، ولأنه زوج ابنته.
ثم إن فخر الدين عبد المسيح وخاتون ابنة تمرتاش بن إيلغاري زوجة قطب الدين، وهي والدة سيف الدين غازي بن قطب الدين اتفقا على صرف قطب الدين عن وصيته لابنه عماد الدين إلى سيف الدين غازي.
فرحل عماد الدين إلى عمه نور الدين مستنصراً به ليعينه على أخذ الملك له، فسار نور الدين في سنة ست وستين وخمسمائة، وعبر الفرات عند قلعة جعبر في مستهل المحرم، وقصد الرقة فحصرها وأخذها، ثم سار في الخابور، فملكه جميعه، وملك نصيبين، وأقام بها يجمع العساكر، وكانت أكثر عساكره في الشام في مقابلة الفرنج.
فلما اجتمعت العساكر سار إلى سنجار فحصرها، ونصب عليها المجانيق، وفتحها فسلمها إلى عماد الدين زنكي ابن أخيه، وجاءته كتب الأمراء بالموصل يبذلون له الطاعة، ويحثونه على الوصول إليهم، فسار إلى الموصل.
وكان سيف الدين غازي وعبد المسيح قد سيرا عز الدين مسعود بن قطب الدين إلى أتابك شمس الدين إيلدكز صاحب أذربيجان وأصبهان، يستنجدانه على نور الدين، فأرسل إيلدكز إليه رسولاً ينهاه عن التعرض للموصل فقال نور الدين: قل لصاحبك أنا أصلح لأولاد أخي منك، فلا تدخل بيننا، وعند الفراغ من إصلاح بلادهم يكون لي معك الحديث على باب همذان، فإنك قد ملكت هذه المملكة العظيمة، وأهملت الثغور حتى غلب الكرج عليها، وقد بليت أنا ولي مثل ربع بلادك بالفرنج، فأخذت معظم بلادهم، وأسرت ملوكهم.
وأقام على الموصل فعزم من بها من الأمراء على مجاهرة عبد المسيح بالعصيان، وتسليم البلد إلى نور الدين، فعلم بذلك، فأرسل إلى نور الدين في تسليم