مرعش عاث في بلد رعبان، وسير يقدمه عسكره إلى عين تاب فخاف صاحبها حسام الدين بن ناصر الدين، وحفظ القلعة. ونزل العسكر في الربض مظهرين أن لاغرض لهم في حصار القلعة، بل لشدة البرد والثلج. ثم أظهر أن صاحب مرعش سير إلى الملك الظاهر، واعتذر، وانقاد إلى طاعته، وحلف له. فرحل السلطان إلى الراوندان، وأقام بها ثلاثة أيام، ورحل إلى عزاز ليلاً، وهي في أيدي نواب الأمير سيف الدين بن علم الدين علي بن سليمان بن جندر، وكان مريضاً بحلب، فأراد السلطان أن يصعد إلى القلعة من شدة المطر، فمنعه من في القلعة أن يطلع إلا بإذن سيف الدين، فسار إلى دربساك وبها ركن الدين الياس ابن عم سيف الدين، فقبض عليه.
وعاد إلى حلب مغضباً، ودخل إلى دار سيف الدين بنفسه، وأخذه في محفة، وسيره إلى عزاز ليسلمها، ووكل به حسام الدين عثمان بن طمان، فوصل معه إليها وسلمها إلى نواب السلطان الملك الظاهر، وعادوا به إلى حلب.
ولما جرى على سيف الدين ذلك، وكانت دربساك معه، وفيها ماله ونوابه، وبها جماعة من أسرى الفرنج، فأعملوا الحيله، وكسروا القيود، وفتحوا خزانة السلاح، ولبسوا العدد، وقاموا في القلعة، فاحتمى الوالي في القلعة مع جماعة من الأجناد، والقتال عليهم. فعلم الملك الظاهر، بذلك، فخرج مجداً في السير حتى وصل درب ساك، فوجد الوالي قد انتصر على الأسرى، وقتلهم.
وعاد السلطان إلى حارم، ثم دخل إلى حلب، فأقام حتى تقضت سنة اثنتين وتسعين. ووصله القاضي وقلج بجواب الملك العزيز بانتظام الصلح بينه وبينه.
ورحل الملك العادل إلى بلاده الشرقية، ووصل ابنه الملك الكامل محمد إلى حلب، زائراً ابن عمه الملك الظاهر، وكان قد طلبه من أبيه ليزوره، فالتقاه الملك الظاهر، وأحسن ضيافته ثم سار إلى أبيه.
وعصي سربك برعبان على الملك الظاهر، وقد كانت في يده، عوضه بهما عن حارم وكان من مماليك أبيه الشجعان، فأظهر الملك الظاهر أنه يخرج إلى الغزاة، وخرج إلى قنسرين، ثم عطف من غير أن يعلم أحد حتى وصل إلى رعبان، فنزل