فعاثت عليه العرب من كلب واليمن وأسد وغيرهم فاجتمعوا بنواحي حلب، فخرج للقائهم، في شهر رمضان من سنة أربع وتسعين ومائتين، فهزموه حتى بلغوا به باب حلب، وجرى بينه وبين القرامطة، في هذه السنة وقعة كسرهم فيها واستأصلهم.
ثم إنه عزل عن حلب، وولي عيسى غلام النوشري، وكان المكتفي قد صار إلى الرقة في سنة إحدى وتسعين ومائتين، وكان وجه بمحمد بن
سليمان صاحب الجيش إلى حلب والشام في عشرين ألف فارس وراجل، لمحاربة الطولونية والقرامطة، وفتح مصر. فقدم محمد بن سليمان حلب في أواخر سنة تسعين، والوالي بها على الحرب عيسى غلام النوشري، فدخلها محمد في أحسن تعبئة وزي. وأقام بها أياماً وطالب عمال الخراج بحمل المال، وقصده رؤساء بني تميم وبني كلاب.
فأمر عيسى والي حلب أن يستخلف على عمله ويشخص معه إلى مصر فامتثل أمره، واستخلف على حلب ولده، وأتفق في جنده، ورحل في آخر شوال معه. فلما وافى معرة النعمان خلع عليه، وحمله، وولاه بلده إلى حدود حماة، ولقيهم القرامطة بين تل منس وكفر طاب، في عشرة آلاف فارس، فنصره الله عليهم، وانهزموا وقتل الرجالة، وأسر أكثر الخيالة.
وصار محمد بن سليمان إلى مصر، وافتتحها من يد الطولونية، عند قتل هارون بن خمارويه، واستولى على أموالها. ثم ضم إلى طغج بن جف الطولوني أربعة آلاف رجل، وولاه حلب، وأخرجه عن مصر.
فلما صار إلى حلب وجد بها ابن الواثقي، وقد أنفذه السلطان إلى حلب لعرض جيوش الواردين من مصر، وذلك في سنة اثنتين وتسعين
ومائتين. فعرض ابن الواثقي جيشه لما وصل إلى حلب، وأمره بالنفوذ إلى بغداد، فرحل حتى وافى مدينة السلام.