للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعلى المحدث أن يجمع المادة، وعلى الفقيه أن يستعملها، ويبين خصائصها، والنسب التي تتألف منها، وذلك هو تشبيه الأعمش في قوله لأبي حنيفة: «أَنْتُمُ الأَطِبَّاءُ وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ» (١).

ويبين الثوري أنه ليس كل من حمل الحديث يمكن أن يستفاد منه العلم بالأحكام، فينصح أحد تلامذته بقوله: «خُذِ الْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ مِنَ الْمَشْهُورِينَ فِي الْعِلْمِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَمِنَ الْمَشْيَخَةِ» (٢). وهكذا يضع الثوري (الشيخ) في مقابلة المشهورين في العلم.

ويبدو أن لفظ (الشيوخ أو المشيخة) صار اصطلاحًا يطلق على غير الفقهاء من المحدثين كما سبق في عبارة الثوري، وكما روى عن وكيع بصورة أوضح وأكثر تحديدًا، حيث استعمل (الشيوخ) في مقابله (الفقهاء) أو (الشيخ) في مقابله (الفقيه): فقد سأل وكيع بعض من في مجلسه مختبرًا لهم، فقال: «الأَعْمَشُ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؟». فَقُلْنَا: «الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَقْرَبُ». فَقَالَ: «الأَعْمَشُ شَيْخٌ وَأَبُو وَائِلٍ شَيْخٌ، وَسُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَقِيهٌ عَنْ فَقِيهٍ عَنْ فَقِيهٍ [عَنْ فَقِيهٍ]» (٣).

ومما يدل على تسليم الفقهاء بفكر التخصص في الحديث أو الفقه قول الإمام الشافعي للمحدثين فيما رواه أحمد بن حنبل: «أَمَّا أَنْتُمْ فَأَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَالِ مِنِّي، فَإِذَا كَانَ الحَدِيثُ صَحِيحًا فَأَعْلِمُونِي أَنْ يَكُونَ كُوفِيًّا أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا أَذْهَبُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ صَحِيحًا» (٤).


(١) انظر " جامع بيان العلم ": ٢/ ١٣٠، ١٣١. وروي أن الأعمش قاله لأبي يوسف.
(٢) " المحدث الفاصل ": ص ٢٤٤، ٣٣٣.
(٣) " المحدث الفاصل ": ص ٧٤.
(٤) " الانتقاء " لابن عبد البر: ص ٧٥.

<<  <   >  >>