للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سواء من ناحية الأسانيد والحكم عليها أو من ناحية الألفاظ وضبطها أو ناحية المعاني وما يستنبط منها. فبلغوا بذلك مرتبة الفقه، كما وجد منهم من لم يحظ بهذه الرتبة.

روى ابن القيم أن مالكًا، وعبد العزيز بن أبي سلمة، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وغيرهم كانوا يختلفون إلى ابن هرمز: فكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهما، وإذا سأله ابن دينار وذووه لا يجيبهم، ولما عاتبه ابن دينار في ذلك أجابه بقوله: «إنِّي قَدْ كَبُرَتْ سِنِّي وَدَقَّ عَظْمِي، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ خَالَطَنِي فِي عَقْلِي مِثْلُ الَّذِي خَالَطَنِي فِي بَدَنِي، وَمَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَالِمَانِ فَقِيهَانِ، إذَا سَمِعَا مِنِّي حَقًّا قَبِلاَهُ، وَإِنْ سَمِعَا خَطَأً تَرَكَاهُ، وَأَنْتَ وَذَوُوك مَا أَجَبْتُكُمْ بِهِ قَبِلْتُمُوهُ» (١).

وروى ابن عبد البر أن (مطر الوراق) سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ تَفْسِيرِهِ، قَالَ: «لَا أَدْرِي، إِنَّمَا أَنَا زَامِلَةٌ» (٢).

وعلى قدر ما كان أمثال مطر هذا قليلين في القرن الأول، حيث كان القصد إلى الفقه من أول الأمر عند رواية الحديث - أخذ عددهم في الزيادة المطردة منذ القرن الثاني، حيث أصبحت رواية الحديث وجمع طرقه هو السمة التي تجمع بينهم، والشغل الذي يهمهم، وحيث سلم كثير منهم بالفصل بين الفقه والحديث:


(١) " إعلام الموقعين ": ٢/ ٢٩٩، ٣٠٠.
(٢) انظر: " جامع بيان العلم وفضله ": ٣/ ١٢٧. ومطر الوراق هو أبو رجاء السلمي، مولى علباء (*)، سكن البصرة وروى عن عكرمة، وعطاء وعمرو بن دينار، وغيرهم روى عنه الحمادان: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة (**)، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم. كان يحيى بن سعيد القطان يضعف حديثه عن عطاء. توفي سنة ١٢٨ أو ١٢٩ هـ. (" تهذيب التهذيب ": ١٠/ ١٦٧، ١٦٩).

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) في الكتاب المطبوع (مولى علي) والصواب ما أثبته (مَوْلَى عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ اليَشْكُرِيِّ). انظر " تهذيب الكمال في أسماء الرجال "، للمزي (ت ٧٤٢ هـ)، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، ٢٨/ ٥١، الطبعة الأولى: ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م، مؤسسة الرسالة. بيروت - لبنان.
وانظر " سير أعلام النبلاء " للذهبي (٧٤٨ هـ)، تحقيق مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، ٥/ ٤٥٢، الطبعة الثالثة: ١٤٠٥ هـ / ١٩٨٥ م، نشر مؤسسة الرسالة.
(**) في الكتاب المطبوع خطأ في التسمية (حماد بن أبي سلمة) والصواب ما أثبته (حماد بن سلمة).

<<  <   >  >>