للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأي مالك والشافعي وسفيان وغيرهم، بل كان ينكر على مالك تصنيف " الموطأ "، ويقول: «ابْتَدَعَ مَا لَمْ تَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ» (١).

ولكن تأثير ابن حنبل في المحدثين بعد المحنة كان عظيمًا، فقد صار رمزًا لهم وبطلاً يملأ قلوب الناس وأسماعهم، ونجمًا يشد إليه أبصارهم وتمتد إليه أعناقهم، فسعت إليه الإمامة والصدارة وأصبح مرجعًا لأمور الدين تحترم كلمته وتقدم فتواه ولعله لم يرد لنفس ما صار إليه، ولكن هكذا صار.

وقد سبق قول بشر الحافي في أن أحمد بعد المحنة وبذلك «صَارَ زَعِيمَ حِزْبٍ عَظِيمٍ مِنْ أَحْزَابِ الإِسْلاَمِ» وقد يقال إن المقصود من إطلاق (حزب) هو زعامة الإمام ابن حنبل لأهل السنة، في مقابلة المعتزلة، ولكن هذا لا يمنع من أن يفهم من العبارة زعامة أحمد لأهل الحديث، وأنهم المعنيون بكلمة (حزب)، ويرشح لهذا الفهم أن ابن عبد البر قد أثبت فقه أهل الحديث، وصرح بإمامة أحمد لهم في هذا الفقه: فقد قال عن أحمد بن حنبل: «وَلَهُ [اخْتِيَارٌ] فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ إِمَامُهُمْ» (٢) هذا على الرغم من أن ابن عبد البر لم يذكره مع الفقهاء الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة، ولكن اقتصاره على هؤلاء لا يعني أن الفقه محصور فيهم، فقد وجد لغيرهم مذاهب امتدت حياتها حتى عاصرت ابن عبد البر، وإنما اقتصر على هؤلاء لكثرة أتباعهم، وما جرته المنافسة بينهم من طعن في هؤلاء الأئمة، ولعل ابن عبد البر قد تابع أبا داود السجستاني في قوله الذي ترحم فيه على هؤلاء الثلاثة اعترافًا منه بإمامتهم، وتنبيهًا


(١) انظر " إحياء علوم الدين ": ١/ ٧٩؛ و" الانتقاء ": هامش ص ٧٦، ٧٧؛ و" جامع بيان العلم ": ٢/ ١٤٩.
(٢) " الانتقاء ": ص ١٠٧.

<<  <   >  >>