وقد تابع أبا يوسف في ذلك معظم الأحناف، فجعلوا عرض السنة على الكتاب من أسس نقد الحديث. فالسرخسي يقسم الانقطاع في الخبر إلى انقطاع في اللفظ - ويعني به المرسل -، وانقطاع في المعنى ثم يبين أن من الانقطاع في المعنى أن يكون الحديث مخالفًا لكتاب الله تعالى، فإنه حينئذٍ لا يكون مقبولاً ولا يكون حجة، عامًا كان ما تقرره الآية أو خاصًا، نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا.
وقد استدل على ما ذهب إليه بالنقل والعقل. أما النقل، فقوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ». وقد فسر السرخسي هذا الحديث بقوله:«وَالمُرَادُ كُلَّ شَرْطٍ هُوَ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مَا لَا يُوجَدُ عَيْنُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ...». كما استدل أيضًا بما رواه من قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «تَكْثُرُ لَكُمْ الأَحَادِيثُ بَعْدِي، فَإِذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا وَافَقَهُ فَاقْبِلُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مِنِّي، وَمَا خَالَفَهُ فَرُدُّوهُ وَاعْلَمُوا أَنِّي مِنْهُ بَرِيءٌ».
أما استدلاله العقلي فيتركز على الموازنه بين الكتاب والخبر من جهة الثبوت «لِأَنَّ الكِتَابَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَفِي اتِّصَالِ الخَبَرِ الوَاحِدِ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُبْهَةٌ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الأَخْذِ بِهِمَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ بِالمُتَيَقَّنِ وَيُتْرَكَ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَالعَامَّ وَالخَاصَّ فِي هَذَا سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ العَامَّ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ