للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ب] القسم الثاني: أن تكون السنة بيانًا لما أريد بالقرآن وتفسيرًا له، إما بتفصيل مجمله، كبيان عدد الصلوات ومواقيتها وأركانها، ومقادير الزكاة وغير ذلك مما أجمله القرآن وتولت السنة تفصيله، وإما بتقييد مطلقه، كتقييد السنة لقطع يد السارق بأن يكون من الرسغ، وكتقييد السنة للوصية في قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] بألا تزيد على الثلث. وإما بتخصيص عامه، كقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤]، فخصصت السنة هذا العموم بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»، وقوله: «لَا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا».

وهذان القسمان محل اتفاق بين المحتجين بالسنة، كما قال الشافعي، وإن كان هناك خلاف في التفصيل مثل تخصيص خبر الواحد لعام القرآن حيث خالف الحنفية في جوازه، وقصروا تخصيصه على السنة المتواترة والمشهورة.

[ج] القسم الثالث: أن تكون السنة موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه. وهذا هو القسم المختلف فيه (١).

ويبدو أن الخلاف حول هذا الموضوع قد بدأ منذ عصر الصحابة، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدُ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ، إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَنَا بِأَحَادِيثَ مَا نَجِدُ لَهَا أَصْلاً فِي القُرْآنِ. فَغَضِبَ عِمْرَانُ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «أَوَجَدْتُمْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِنْ كُلِّ كَذَا وَكَذَا شَاةً شَاةٌ، وَمِنْ كُلِّ كَذَا وَكَذَا بَعِيرًا كَذَا وَكَذَا، أَوَجَدْتُمْ هَذَا فِي القُرْآنِ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَعَنْ مَنْ أَخَذْتُمْ هَذَا؟ أَخَذْتُمُوهُ عَنَّا، وَأَخَذْنَاهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ


(١) انظر هذه الأقسام في " إعلام الموقعين ": ٢/ ٣٨٠؛ و" أصول التشريع " لأستاذنا الشيخ علي حسب الله: ص ٣٦، ٣٧.

<<  <   >  >>