للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تخرج عن البيان بوجه من الوجوه، وتسميتها نسخًا اصطلاح من الأحناف لا يلزم غيرهم، فإنه لا مشاحة في الأسماء، فما يسمونه نسخًا، يسميه غيرهم تقييدًا، وهناك فروق جوهرية بين النسخ والتقييد، أهمها: «أَنَّ التَّعَارُضَ الذِي قَامَ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ، لَا يُعَدُّ تَعَارُضًا إِذَا قِيسَ بِالتَّعَارُضِ الذِي قَامَ عَلَيْهِ النَّسْخُ، إِنَّمَا شُيُوعٌ فِي النَّصِّ المُطْلَقِ يُضَيِّقُ دَائِرَتَهُ القَيْدُ الذِي جَاءَ فِي النَّصِّ المُقَيَّدِ، وَالحُكْمُ - بَعْدُ - بَاقٍ لَمْ يَرْتَفِعْ وَلَمْ يَنْتَهِ العَمَلُ بِهِ، وَمَا زَالَ النَّصُّ المُطْلَقُ دَلِيلاً عَلَى هَذَا الحُكْمِ، وَلَكِنْ مَعَ مُلَاحَظَةِ القَيْدِ الذِي جَاءَ فِي النَّصِّ المُقَيَّدِ» (١).

وقد رد ابن القيم على ما ذهب إليه الأحناف باثنين وخمسين وجهًا (٢)، تتلخص في وجوب طاعة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي إثبات أن الزيادة ليست نسخًا، ثم في إيراد أمثلة كثيرة لتناقض الأحناف حيث أخذوا ببعض الأحاديث، مع زيادتها على القرآن، وردوا بعضًا آخر منها بحجة الزيادة على القرآن، ويضيق بهذا التناقض قائلاً: «فَهَاتُوا لَنَا الفَرْقَ بَيْنَ مَا يُقْبَلُ مِنَ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ، وَمَا رُدَّ مِنْهَا، فَإِمَّا أَنْ تَقْبَلُوهَا كُلَّهَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى القُرْآنِ» (٣).

هذه هي اتجاهات الأنظار حول ورود السنة بحكم زائد على ما في القرآن وقد رأينا أن الخلاف حول سلطة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يسعه إلا أن يذعن له، ويسلم به، دون توقف على شيء آخر، {وَمَا كَانَ


(١) " النسخ في القرآن الكريم "، لأستاذنا الدكتور مصطفى زيد: ١/ ١٥٥، ١٥٦، وانظر تفصيل الفروق بين النسخ والتقييد في الصفحات التالية لذلك من المصدر نفسه.
(٢) انظر " إعلام الموقعين ": ٢/ ٣٨٣، ٣٩٥.
(٣) انظر " إعلام الموقعين ": ٢/ ٣٩٢.

<<  <   >  >>