للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآية على الناس عارية من ذكر النفي عقبها، لأن سكوته عن ذكر الزيادة يلزمنا اعتقاد موجبها وأن الجلد هو كمال الحد، فلو كان معه تغريب لكان بعض الحد لا كماله، فإذا أخلى التلاوة من ذكر النفي عقيبها، فقد أراد منا اعتقاد أن الجلد المذكور في الآية هو تمام الحد وكماله، فغير جائز إلحاق الزيادة معه إلا على وجه النسخ، ولهذا كان قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» - ناسخًا لحديث عُبادة بن الصامت: «... وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ»، وكذلك لما رجم ماعزًا ولم يجلده، كذلك يجب أن يكون قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] ناسخًا لحكم التغريب في قوله: «البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ».

والمقصود أن هذه الزيادة لو كانت ثابتة مع النص لذكرها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عقيب التلاوة، ولنقلها إلينا من نقل المزيد عليه، إذ غير جائز عليهم أن يعلموا أن الحد مجموع الأمرين، وينقلوا بعضه دون بعض، وقد سمعوا الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكر الأمرين، فامتنع حينئذٍ العمل بالزيادة إلا من الجهة التي ورد منها الأصل، فإن وردت من جهة الآحاد: فإن كانت قبل النص فقد نسخها النص المطلق عاريًا من ذكرها، وإن كانت بعده فهذا يوجب نسخ الآية بخبر الواحد، وهو ممتنع. فإن كان المزيد عليه ثابتًا بخبر الواحد جاز إلحاق الزيادة بخبر الواحد على الوجه الذي يجوز نسخه به، فإن كانت واردة مع النص في خطاب واحد لم تكن نسخًا وكانت بيانًا (١).

ولم يوافق جمهور الفقهاء - ومنهم المحدثون - على ما ذهب إليه علماء الأحناف، من اعتبارهم الزيادة المغيرة نسخًا، بل الزيادة بجميع وجوهها


(١) انظر " إعلام الموقعين ": ٢/ ٣٨٠ وما بعدها.

<<  <   >  >>