للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن لا تعتبر كلها ضعيفة في رأي الأحناف، وليس كلها مهملاً، بل هم يمنعون أساسًا أن تفيد هذه الأحاديث الإلزام بالفعل أو الترك على وجه الفرضية، وهذا لا يمنع من أن يعمل بها في بعض الأحيان على جهة أخرى غير الفرضية:

فحد الزنى لغير المحصن هو الجلد، كما جاء في القرآن، وقد جاءت السنة بزيادة النفي أو التغريب على الجلد، وليست هذه الزيادة مفيدة للإلزام عند الأحناف، فلا يفترض على ولي الأمر أن يأخذ بها، ولا مانع من أن يأخذ بها على وجه السياسة في بعض الظروف لبعض الأشخاص (١).

وقراءة ما تيسر من القرآن في الصلاة فرض بنص القرآن {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: ٢٠]، وهو يفيد صحة الصلاة بقراءة أي جزء منه، فاتحة أو غيرها، وقد جاء في الحديث أن الصلاة لا تصح بدون قراءة الفاتحة، وهذا نسخ لإطلاق الآية، وهو لا يجوز بخبر الآحاد، لأن الكتاب قطعي الثبوت، وهم مع ذلك لا يهملون هذا الخبر، إذ يثبتون بالقرآن فرض قراءة ما تيسر ويثبتون بالخبر وجوب قراءة الفاتحة، فيفرقون بين الفرض والواجب: فالأول ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، والثاني ما يثبت بدليل ظني فيه شبهة، وهو متأخر عن الأول في الرتبة. ولا شك أن هذه التفرقة نتيجة اتجاههم في تقديم الكتاب على السنة.

ويقال مثل ذلك فيما أثبته القرآن من الأمر بالركوع والسجود المطلقين، مع ما جاءت به السنة من تعديل الأركان والاطمئنان في الركوع والسجود (٢).


(١) انظر " أحكام القرآن "، للجصاص: ٢/ ٢٥٥، ٢٥٩.
(٢) انظر " التقرير والتحبير ": ٣/ ٢٥٥، ٢٥٩؛ و" فواتح الرحموت ": ٢/ ٩١ وما بعدها حيث رجح أن حديث الاطمئنان في الركوع بيان للقرآن، وليس من قبيل النسخ بالزيادة.

<<  <   >  >>