للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذهب الأحناف إلى استحباب النية في الوضوء، وكذا الترتيب والموالاة والتسمية وتخليل الأصابع، ولم يقولوا بأن شيئًا من ذلك فرض أو واجب لأن الأخبار فيها زائدة على آية الوضوء التي تدل على إجزاء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس مطلقًا عن النية وغيرها. فلو زيد أحد هذه الأشياء لزم انتساخ القاطع بخبر الواحد (١).

فإذا لم يكن هناك مجال للعمل بالخبر الزائد على وجه من الوجوه السابقة لم يعملوا به، كحديث القضاء بالشاهد واليمين. وهو مروي عن أبي هريرة، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ورواه مالك مرسلاً عن جعفر بن محمد عن أبيه. وفي بعض هذه الروايات أن ذلك في الأموال الخاصة.

وقد سلك الأحناف في تضعيف هذه الروايات مسالك: بينوا في بعضها ضعف الإسناد، وبينوا في بعضها الآخر أن المروي عنه أنكر هذا الحديث فَقَدْ أَنْكَرَ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَ بِهِ عَنْ رَبِيعَةَ. وكان بعد ذلك يقول في روايته لهذا الحديث: «أَخْبَرَنِي بِهِ رَبِيعَةُ عَنِّي، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، أَنِّي حَدَّثْتُهُ إِيَّاهُ وَلاَ أَحْفَظُهُ». وأصبحت هذه المسألة إحدى مسائل الأصول التي يدور حولها الجدل (٢).

والذي يهمنا الآن هو مسلك الأحناف في تضعيف هذا الحديث على فرض صحة إسناده، حيث قالوا إنه حتى لو ورد من طريق مستقيمة، لما جاز الاعتراض به على نص القرآن، إذ غير جائز نسخ القرآن بأخبار الآحاد، لأن المفهوم من الآية حظر قبول أقل من شاهدين أو رجل وامرأتين، وفي استعمال هذا الخبر ترك موجب الآية، والأولى حمل الخبر


(١) " فواتح الرحموت ": ٢/ ٩٣.
(٢) انظر " المستصفى ": ١/ ١٦٧؛ و" شرح الإسنوي على المنهاج " للبيضاوي: ٢/ ١١٩، ١٢٠؛ و" فواتح الرحموت ": ٢/ ١٧٠، ١٧١؛ و" أصول السرخسي ": ج ٢ ص ٣.

<<  <   >  >>