للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول الغزالي: «وَمَا حُكِيَ عَنْ المُحَدِّثِينَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ العِلْمَ، فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ بِوُجُوبِ العَمَلِ، إذْ يُسَمَّى [الظَّنُّ] عِلْمًا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: يُورِثُ العِلْمَ الظَّاهِرَ وَالعِلْمُ لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ وَإِنَّمَا هُوَ الظَّنُّ» (١).

ويقول السرخسي: «وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ: يَثْبُتُ بِخَبَرِ الوَاحِدِ عِلْمُ اليَقِينِ، مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ فِيهِ عَدَدَ الشَّهَادَةِ لِيَكُونَ حُجَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أقْصَى عَدَدِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الأَرْبَعَة» (٢).

ويفصل الآمدي الآراء في هذا الموضوع فيقول: «اخْتَلَفُوا فِي الوَاحِدِ العَدْلِ. إِذَا أَخْبَرَ بِخَبَرٍ، هَلْ يُفِيدُ خَبَرُهُ العِلْمَ؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلاَءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ بِمَعْنَى الظَّنِّ لَا بِمَعْنَى اليَقِينِ، فَإِنَّ العِلْمَ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: ١٠] أَيْ: ظَنَنْتُمُوهُنَّ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ اليَقِينِيَّ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، لَكِنْ مِنْ هَؤُلاَءِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُطَّرِدٌ فِي خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ، كَبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَخْبَارِ الآحَادِ لَا فِي الكُلِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ، إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةٌ، كَالنَّظَّامِ، وَمَنْ تَابَعَهُ فِي مَقَالَتِهِ.

وَذَهَبَ البَاقُونَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفِيدُ العِلْمَ اليَقِينِيَّ مُطْلَقًا، لَا بِقَرِينَةٍ وَلَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ» (٣).

ثُمَّ اخْتَارَ الآمِدِيُّ حُصُولَ العِلْمِ بِخَبَرِ الآحَادِ إِذَا احْتَفَتْ بِهِ القَرَائِنُ.


(١) " المستصفى ": ١/ ١٤٥، وأنكر ابن حزم أيضًا هذا العلم الظاهر، (انظر " الإحكام " له: ١/ ١٢٧، ١٢٨).
(٢) " أصول السرخسي ": ١/ ٣٢.
(٣) " الإحكام " للآمدي ": ٢/ ٤٩، ٥٠. واستمر في مناقشة الآراء حتى ص ٦٠.

<<  <   >  >>