للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما خبر الآحاد فهو ما لا ينتهي من الأخبار إلى حد التواتر المفيد للعلم، سواء كان مستفيضًا - وهو ما زاد عدد رواته على الثلاثة، كما جزم به ابن الحاجب والآمدي - (١) أو غير مستفيض.

وقد جعل الأحناف الخبر المستفيض قسمًا وسطًا بين المتواتر والآحاد، وعرفوه بأنه ما كان متواتر الفرع آحاد الأصل، ويشيرون إليه بقولهم: «فِي حَيِّزِ المُتَوَاتِرِ، أَوْ المَشْهُورِ». وكان الجصاص يعده أحد قسمي المتواتر، على معنى أنه يثبت به علم اليقين، ولكنه علم اكتساب. «وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: " لَا يَكُونُ المُتَوَاتِرُ إِلاَّ مَا يُوجِبُ العِلْمَ [ضَرُورِيًّا] فَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَهُوَ مَشْهُورٌ وَلَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ [وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، وَبَيَانُ هَذَا النَّوْعِ فِي] كُلِّ حَدِيثٍ نَقَلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَدٌ يُتَوَهَّمُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الكَذِبِ وَلَكِنْ تَلَقَّتْهُ العُلَمَاءُ بِالقَبُولِ وَالعَمَلِ بِهِ [فَبِاعْتِبَارِ الأَصْلِ هُوَ مِنَ الآحَادِ وَبِاعْتِبَارِ الفَرْعِ هُوَ مُتَوَاتِرٌ وَذَلِكَ] نَحْوَ خَبَرِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ وَ [خَبَرِ] تَحْرِيمِ المُتْعَةِ بَعْدَ الإِبَاحَةِ وَ [خَبَرِ] تَحْرِيمِ نِكَاحِ المَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَعَلَى خَالَتِهَا [وَخَبَرِ حُرْمَةِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَمَا أَشْبَهَ] ذَلِكَ» (٢).

والقائلون بوجوب العمل بخبر الواحد مختلفون في دليل الوجوب، بين أن يكون هذا الدليل هو السمع، أو العقل، أو هما مَعًا. وهو اختلاف لا يفضي إلى نتيجة.

لكن اختلافهم في إفادة خبر الواحد العلم هو الجدير بالاهتمام، لما يترتب عليه من النظر المختلف في مدى تأثير خبر الواحد في الفروع وفي الاعتقاد.

والمحدثون أو معظمهم - وبخاصة أهل الظاهر منهم - يميلون إلى أن خبر الآحاد مفيد للعلم، يعمم بعض الأصوليين هذا الحكم على المحدثين ويقصر آخرون على بعضهم.


(١) انظر " الإحكام "، للآمدي: ٢/ ٤٩؛ و" شرح المنهاج " للإسنوي: ٢/ ٩٥.
(٢) انظر " أصول السرخسي ": ١/ ٢٩١ وما بعدها.

<<  <   >  >>