وقد هاجم ابن حزم هذا الأصل، وذكر كثيرًا من السنن التي خالفها المالكيون بحجة أن عمل أهل المدينة على خلافها، ثم قال: «فَهَذَا مَا تَرَكُوا فِيهِ عَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَتِهِمْ فِي " المُوَطَّأِ " خَاصَّةً وَلَوْ تَتَبَّعْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ لَبَلَغَ أَضْعَافَ مَا ذَكَرْنَا وَمَا خَالَفُوا فِيهِ أَوَامِرَهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - مِنْ رِوَايَتِهِمْ وَرِوَايَةِ غَيْرِهِمْ أَضْعَافَ ذَلِكَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَتَجَاوَزُ الأُلُوفَ» (١).
[هـ] ومما ذكره الأحناف متصلاً بهذا النوع الذي سموه بالانقطاع في المعنى - أن يروي الصحابي حديثًا، ثم يظهر منه ما يخالف الحديث قولاً أو عملاً. فإن هذه المخالفة تعتبر طعنًا في الحديث في بعض أحواله، لأن مخالفة الصحابي إن كانت قبل الرواية فإنها لا تقدح في الخبر، ويحمل على أنه كان مذهبه قبل أن يسمع الحديث، فلما سمع الحديث رجع إليه. وكذلك إذا لم يعلم هل المخالفة كانت قبل روايته للحديث أو بعدها، لأن الحمل على أحسن الوجوه مطلوب ما لم يثبت خلافه، أما إذا علم أن خلافه للحديث كان بعد روايته له، فإن هذا الحديث حينئذٍ يخرج عن أن يكون حجة، لأن فتواه أو عمله بخلاف الحديث من أبين الدلائل على الانقطاع فيحمل ما رواه على النسخ، حملاً له على أحسن الوجوه.
وذكروا من أمثلة ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُغْسَلُ الإِنَاءُ مِنَ وُلُوغِ الكَلْبِ سَبْعًا»، ثُمَّ صَحَّ مِنْ فَتْوَاهُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالغَسْلِ ثَلَاثًا.