للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة ذلك أيضًا ما رواه ابن عمر مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ»، ثم صح عن مجاهد قال: «صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ سِنِينَ وَكَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ»، وهذا يدل على نسخ الحكم (١).

أما إذا كان الحديث محتملاً لعدة معان، فيعين الصحابي بعض محتملات الحديث فإن ذلك لا يمنع كون الحديث معمولاً به على ظاهره، لأن تأويل الصحابي ليس بحجة على غيره، وإنما الحجة هو الحديث. وذلك كالذي رواه ابن عمر من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المُتَبَايِعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا»، فـ «التَّفَرُّقُ فِي الحَدِيثِ يَحْتَمِلُ التَّفَرُّقَ بِالأَبْدَانِ»، فكان إذا أوجب البيع مشى هنيهة، ولم يأخذ الأحناف بهذا التأويل من ابن عمر، وحملوا التفرق على التفرق بالأقوال، أما المالكية فقد رَدُّوا هذا الحديث لمخالفته لما عليه العمل.

ويقول الأحناف: إن الشافعي قد فعل مثل ذلك في حديث ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، ثُمَّ أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ بِـ «أَنَّ المُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلَ»، وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لَحَقَ الحَدِيثَ مِنَ الرَّاوِي، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّأْوِيلِ، لا يكون حجة على غيره، وأخذ بظاهر الحديث، فأوجب القتل على المرتدة (٢).

وقد اختار الآمدي أنه إن علم مأخذ الصحابي في المخالفة، وكان ذلك مما يوجب حمل الخبر على ما ذهب إليه الراوي وجب اتباع ذلك الدليل،


(١) " أصول السرخسي ": ج ٢ ص ٣. وقد ناقش البخاري ما روي عن مجاهد في ترك ابن عمر للرفع، وَبَيَّنَ أنه مرجوح، انظر " قرة العينين برفع اليدين "، للبخاري: ص ٢٤.
(٢) انظر " أصول " السرخسي: ٢/ ٥، ٦؛ و" أسباب الاختلاف "، للخفيف: ص ٥٩، ٦١؛ و" فقه الكتاب والسنة " له: ص ١١٧ وما بعدها.

<<  <   >  >>