للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خبره، بل يفتح الاجتهاد فيه، لاحتمال ألا يكون منسوخًا، بل يكون مصروفًا عن ظاهره، أو مفهومًا على وجه لا يتعارض مع عمله.

فيقال في «حَدِيثِ غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعًا» الذي رواه أبو هريرة: إن الغسل سبع مرات إحداهن بالتراب يتعلق بالإناء الذي يوضع فيه الطعام والشرب وما أفتى به أبو هريرة من الغسل ثلاثًا يتعلق بغير ذلك من ثوب أو بدن.

ويقال في مخالفة عائشة بإنكاحها ابنة أخيها لما روته من اشتراط الولي في النكاح: إن عملها يقتضي تقييد حديثها بحضور الولي، فإذا كان غائبًا كانت الحادثة محل اجتهاد، وجاز أن يكون الزواج بإذن من يهتم بمصلحة الزوجة من أقاربها، حتى لا يفوتها الزوج الكفء (١).

ولأن الاحتمالات في خبر الواحد كانت دائمًا نصب أعين الفقهاء من غير المحدثين، حتى إنهم لم يكتفوا بصحة الإسناد في نقدهم للحديث نظروا أيضًا في بعض ألفاظ الصحابي عند أدائه للحديث، فاختلفوا مع المحدثين فيها، كما اختلفوا معهم في بعض صور الإسناد.

وقد قسم الأصوليون ألفاظ الصحابي درجات، بعضها أقوى من بعض، وجعلها بعضهم سبعًا، وجعلها آخرون خمسًا (٢).

١ - أعلاها قول الصحابي: «حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، أَوْ «أَخْبَرَنِي»، أَوْ «قَالَ لِي»، وما أشبه ذلك.

٢ - ثم قوله: «قَالَ رَسُولُ اللَهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وهذه الصيغة في مرتبة ثانية، لاحتمال أن يكون بينه وبين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واسطة، بدليل ما رواه أبو هريرة مرفوعًا: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلاَ صَوْمَ لَهُ»، فلما روجع فيه قال: «حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ»، وكذلك روى ابن عباس عَنْ


(١) انظر " أصول التشريع "، للأستاذ علي حسب الله: ص ٥٤، ٥٥.
(٢) انظر " المستصفى ": ١/ ١٢٩، ١٣٢؛ و" شرح المنهاج " للإسنوي: ٢/ ١٢٣، ١٢٨؛ و" فواتح الرحموت ": ٢/ ١٦١، ١٦٢.

<<  <   >  >>