للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سبق أن ذكرنا أن جمهور المحدثين في القرن الثالث قد رَدَّ المرسل، أما القليل منهم فذهب إلى أنه صالح للاستدلال، وأخروا رتبته عن المسند، ومن هؤلاء أبو داود السجستاني حيث قال في " رسالته إلى أهل مكة " - والتي سبق أن نقلنا طرفًا منها - موضحًا منهجه في " سننه ": «فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْنَدٌ غَيْرِ المَرَاسِيلِ، وَلَمْ يُوجَدْ المُسْنَدُ فَالمُرْسَلُ يُحْتَجُّ بِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ المُتَّصِلِ فِي القُوَّةِ».

وقد نقلنا عن أبي داود أيضًا أن ابن حنبل قد تابع الشافعي في الكلام في المراسيل. وقد رُوِيَ عن أحمد في المرسل قولان: أحدهما يضعه مع أبي حنيفة ومالك وغيرهما ممن قبلوا المرسل، والآخر يجعله متأثرًا بالشافعي في المنع منه.

والقول الثاني أقرب لمسلك الإمام أحمد ومكانته في صناعة الحديث، وإن كان هذا لا يمنعه من العمل به، فالمرسل من حيث الصناعة حديث ضعيف، ولهذا أخره أحمد عن فتوى الصحابي، وهو لا يقدمها على حديث صحيح (١)، ولكنه من حيث المعنى، يدخل في نطاق الأثر، فإنه إن لم يكن حديثًا فلن يخرج عن أن يكون قولاً لصحابي أو تابعي، والعمل بالأثر بمفهومه الواسع، خير من العمل بالرأي.

ولما سبق أن ذكرناه من تأثر المحدثين بالشافعي في موقفهم تجاه المرسل، حتى إن حججهم في رده لا تخرج عن الحجج التي ساقها الشافعي، توجز رأي الشافعي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في المرسل، ولعله أول من نظم الكلام في شرائط الرواية، وكما كانت له اليد الطولى على علم أصول الفقه كان له مثلها على علم أصول الحديث.


(١) انظر " إعلام الموقعين ": ١/ ٣٤؛ و" ابن حنبل "، للأستاذ أبي زهرة: ص ٢٢٧، ٢٣١. وذكر الآمدي في " الإحكام ": ٢/ ١٧٧ أن العمل بالمرسل هو أشهر الروايتين عن أحمد. وفي " مسلم الثبوت ": ٢/ ١٧٤، نسب القول به إلى أحمد من غير تفصيل.

<<  <   >  >>