وقد بَيَّنَّا من قبل أن المرسل في عرف الفقهاء والأصوليين وبعض المحدثين يطلق على مرسل التابعي ومرسل غيره مما يسمى في عرف المحدثين بالمنقطع.
والشافعي يرفض مرسل غير التابعي رفضًا تامًا، وكذلك مرسل صغار التابعين الذين تكثر مشاهدتهم للصحابة، لما حدث من توسع في الرواية حتى روى بعضهم عن الضعفاء، كما قد يروي بعض العلماء عن ضعيف يعلمه إذا وافق قولاً يقوله:«وَمَنْ نَظَرَ فِي العِلْمِ بِخِبْرَةٍ وَقِلَّةِ غَفْلَةٍ، اسْتَوْحَشَ مِنْ مُرْسَلِ كُلِّ مَنْ دُونَ كِبَارِ التَّابِعِينَ»(١).
أما مرسل كبار التابعين فلا ينهض بمفرده أن يكون حجة، ولكن يمكن قبوله إذا انضم إليه واحد من أربعة، بعضها أقوى من بعض في الدلالة، وها هي ذي مرتبة ترتيبًا تنازليًا:
١ - أن يوافقه مسند صحيح في معناه.
٢ - أن يوافقه مرسل آخر في معناه، روي من غير طريق الأول.
٣ - أن يوافقه قول لأحد الصحابة.
٤ - أن يفتي بمثل معنى المرسل جماعات من أهل العلم.
ولا يقتصر الشافعي على ذلك، بل يضيف إليه أن يكون هذا التابعي الكبير معروفًا بالضبط والحيطة، وألا يكون في شيوخه، الذين يصرح بهم في رواياته المتصلة - أحد مرغوب عنه ولا مجهول. وفي ذلك يقول: «ثُمَّ يُعْتَبَرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ إِذَا سَمَّى مَنْ رَوَى عَنْهُ لَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا وَلَا مَرْغُوبًا عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ فِيمَا رَوَى عَنْهُ، وَيَكُونُ إِذَا شَرِكَ أَحَدًا مِنَ الحُفَّاظِ فِي حَدِيثٍ لَمْ يُخَالِفْهُ، فَإِنْ خَالَفَهُ وُجِدَ حَدِيثُهُ أَنْقَصَ: كَانَتْ فِي هَذِهِ دَلَائِلُ عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ. وَمَتَى خَالَفَ مَا وَصَفْتُ أَضَرَّ